تشتهر محافظة المنيا بالمحاجر التي تتوافر بها العديد من المواد الخام والتي تشغل مساحة 300 كيلو متر مربع تقع في قري شرق النيل حيث تستخدم المواد المستخرجة من المحاجر استخداماً واسعاً في الصناعات المختلفة مثل البناء والطلاء والأدوية والرخام.. إلخ. ساهمت ندرة الأراضي الزراعية وزيادة السكان وكثرة عدد الخريجين وعدم وجود فرص عمل وكثرة الأطفال بقري شرق النيلبالمنيا في الاتجاه للعمل بالمحاجر. تقترب العمالة فيها من 35 ألفاً إلي 40 ألف عامل بينهم حوالي 3 آلاف طفل تحت 16 سنة رغم القوانين التي تحرم عمل الأطفال بالمحاجر حيث يتعرضون لموت أكيد أو إعاقة مستديمة من أجل جنيهات معدودة. قري شرق النيل وتشمل زوايد سلطان وجبل الطير وسوارة ونزلة فرج الله وطهنا الجبل والحوارتة والدوادية ونزلة عبيد وهي بلا خدمات تقريباً. يومياً يتم شحن العمال علي عربات نقل الحجارة أو المواشي تحمل العربة الواحدة أكثر من 30 عاملاً بينهم أطفال لا يتعدي عمرهم 14 عاماً ويبدأ العمل تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً والبرد القارس شتاء وسط سحابات الغبار الأبيض الكثيف والتي يصعب معها الرؤية وذرات السليكات التي تسد مسام الجلد والتي يتم استنشاقها.. أيضا ولا يحمي هؤلاء العمال إلا كوفية يلفها العامل حول وجهه. يعيش العمال وسط الآلات المستخدمة البدائية مثل المناشير وأسلاك كهربائية مكشوفة ووجبة الإفطار المعتادة قرص طعمية ورغيف ملوث بالأتربة والغبار وكوب شاي وغالباً ما يكون به منشطات لضمان عدم شعور العمال بالتعب وسط النهار. ينتهي اليوم بالعودة مع غروب الشمس بنفس العربات في طريق سييء الرصف وغياب تام لوسائل المواصلات الآمنة. وتقع يومياً العديد من الحوادث إما من المناشير أو الكسارات أو الأسلاك المكشوفة وسط المحاجر أو من سقوط أحد الضحايا من فوق السيارات أثناء رحلة الذهاب أو العودة وينتهي الأمر إما بالوفاة أو عاهة مستديمة!! الغريب أنه لا توجد مستشفيات أو مناطق اسعاف بالقرب من المحاجر.. باعتبارها أماكن خطرة. يقول حسين أبو عمار 45 سنة: هناك عشرات من المصابين والقتلي يومياً داخل المحاجر بسبب الآلات البدائية التي تتعامل بها الأسلاك المكشوفة ومناشير الطوب هذا بخلاف صوت الماكينات والآلات التي لا تستطيع الأذن أن تتحملها والحجارة التي يحملها الأطفال والعمال علي ظهورهم. وأكد إبراهيم أحمد محمود 36 سنة أن الكسارات عبارة عن ماكينات ضخمة لتكسير الحجر والرخام وتتناثر منها البودرة والغبار وشظايا كسر الرخام والتي يتنفسها العمال بشكل دائم وأغلب هؤلاء العمال من الأطفال تتراوح أعمارهما بين 8 و16 عاماً وهم معرضون لأمراض العيون والتي تصل إلي العمي ومشاكل في الكلي وفقدان السمع بخلاف الأمراضي الصدرية التي تصل إلي التحجر الرئوي بالاضافة إلي الأمراض السرطانية. كل هذا في ظل غياب تام للأمن الصناعي والسلامة المهنية علي المحاجر فضلاً عن الرعاية الصحية. وأضاف ميلاد طاهر فارس 35 سنة وبولس جوزيف حبيب 30 سنة: من أكبر المشكلات التي يعاني منها العمال غياب مظلة التأمين عنهم سواء التأمين الصحي أو الاجتماعي. وقال حسن عوني 14 سنة إنني فقدت شقيقي ياسر 17 سنة وكنا نعمل سوياً في الجبل وفي يوم سمعت صرخة مدوية وفوجئت بشقيقي ياسر ملقي علي الأرض متفحماً انقطعت عن العمل فترة ثم ذهبت إلي الجبل ثانية لحاجة الأسرة للمال. أحمد محمد خلف 30 سنة بترت ساقه وأحمد محمد عبدالنبي 40 سنة مصاب بترت ساقه أيضا وأحمد محمد سيد بترت يده اليسري قالوا: الإصابات كانت وسط المحاجر بالجبل من المناشير!! سألنا ياسر فؤاد محمد رئيس نقابة العمال للمحاجر بالمنيا عن هذه الأوضاع فقال إننا نطالب بتأمين صحي للعمال كما أننا نطالب بمستشفي قريب من المحاجر أو عربات اسعاف قرب المحاجر لتنقل المصابين من الجبل والمحاجر. أوضح أن صندوق الخدمات في المنيا لا يساهم في أي خدمات لعمال المحاجر رغم أنه يتحصل علي ملايين الجنيهات من إيرادات المحاجر. أضاف: هناك قرار وزاري رقم 211 لسنة 2009 ينص علي خصم 5% من إيراد المحاجر و5% من تحصيل الكارتة لوحدة العمالة غير المنتظمة ونقابة المحاجر من حقها الحصول علي 20% من الإيرادات لتحسين أحوال العمال بالمحاجر إلا أن القرار لم ينفذ! أضاف سمير نجيب طوسة نائب رئيس نقابة المحاجر بالمنيا قائلاً: اللواء أحمد ضياء الدين محافظ المنيا السابق كون جمعية تحت مسمي جمعية أصحاب المحاجر عقب المظاهرات التي قام بها العمال سنة 2009 وبدأ في تحصيل مبلغ 500 جنيه سنوياً من كل محجر لهذه الجمعية ووضع وديعة 5 ملايين من الجنيهات للجمعية ووضع لائحة داخلية لها لمنح المصاب بعجز كلي من عمال المحاجر 10 آلاف جنيه ومعاشاً شهرياً 350 جنيهاً والمتوفي 20 ألف جنيه ومعاش شهري 450 جنيهاً لأسرته ولكن بقيت الجمعية علي الورق ولا تري أي مساعدات! أما حسام وصفي مدير المشاريع بمؤسسة وادي النيل بالمنيا فقال حتي الآن لا توجد احصائيات أو حتي مجرد تسجيل لم يحدث من إصابات أو عجز أو وفاة للعاملين بهذا القطاع. أضاف: نحاول جاهدين منع خروج الأطفال للعمل بالمحاجر من خلال صرف قروض ميسرة لذويهم. وقال ماهر بشري رئيس مجلس إدارة مؤسسة الحياة الأفضل بالمنيا إن التأمين الصحي والاجتماعي للعمالة "غير المنتظمة" من أكثر القضايا التي تشغل فكر مؤسسة الحياة الأفضل وقد عقدنا بعض اللقاءات لحل المعوقات التي تواجه العمال بالمحاجر بالاضافة إلي ورش العمل لأصحاب المحاجر لدعم العمال في حقوقهم.