يسعى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لتضييق الخناق على ايطاليا للتراجع عن قرارها السابق بسحب سفيرها من القاهرة، اثر رفضها ما جاء في نتائج التحقيق فيما يخص مقتل الشاب "جوليو ريجيني"، وذلك عبر أمنها القومي في ليبيا والضغط عن طريق المؤسسة الدينية "الفاتيكان". وتوترت العلاقات بشكل حاد بين مصر وإيطاليا، على خلفية مقتل ريجيني (28 عامًا)، الذي كان موجوداً في القاهرة منذ سبتمبر 2015، لتحضير أطروحة "دكتوراه" حول النقابات العمالية، واختفى في 25 يناير الماضي، قبل العثور على جثمانه ملقى بجانب طريق مصر الإسكندرية الصحراوي في 3 فبراير الماضي. ويحرص السيسي منذ القرار الايطالي، على إزالة كافة المعوقات في طريق إعادة العلاقات مع ايطاليا، ويظهر ذلك من خلال، تأكيد الرئيس المصري خلال خطابته على العلاقات المتميزة بين القاهرةوروما رغم قرار الأخيرة باستدعاء السفير الايطالي من القاهرة، والذي نزل كالصدمة على الإدارة المصرية. وفي 8 أبريل الماضي، أعلنت إيطاليا استدعاء سفيرها في مصر؛ للتشاور معه بشأن القضية، التي شهدت اتهامات من وسائل إعلام إيطالية للأمن المصري بالتورط في قتله وتعذيبه، بينما تنفي السلطات المصرية صحة هذه الاتهامات. وقبل أيام، زار وفد شعبي من الدبلوماسية الشعبية المصرية، برئاسة المستشار أحمد الفضالي، رئيس تيار الاستقلال، دولة الفاتيكان، ليعيد بذلك الأجواء التي لاحقت خطاب 3 يوليو وعزل الرئيس محمد مرسي، لاسيما أن الفضالي أيضا من قاد الوفد الشعبي في زياراته الخارجية، لتوضيح سياسة مصر، بعد رفض معظم دول العالم وقتئذ، عزل مرسي. وشارك الوفد الشعبي خلال زيارته في الجلسة العامة التي يقيمها البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، كل أربعاء بالساحة العامة للقديس بطرس بالفاتيكان، وقد طرحت الزيارة تساؤلات حول لجوء النظام الحالي للفاتيكان لحل قضية "ريجيني"، خاصة بعد زيارته لروما التقى خلالها بمسئولين ايطاليين. في السياق ذاته، قال الأنبا يوحنا قلته النائب البطريركي للكنيسة الكاثوليكية، إن البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، أعلن أمام العالم كله، عن الصلاة من أجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، لافتا إلى أنه يتحتم علينا قراءة ما بين سطور بابا الفاتيكان، بشأن تدخله في قضية "ريجيني"، لصالح مصر. وأضاف قلته في تصريحات صحفية، أن النظرة اختلفت الآن، وهناك تفهم للواقع المصري، ينبثق من كون "السيسي" رجل دولة يتمتع بثقة عالمية. ومن جانبه أكد المستشار أحمد الفضالي رئيس تيار الاستقلال، ورئيس وفد الدبلوماسية الشعبية، أن الزيارة لروما ثم للفاتيكان أحدثت تطورا كبيرا فيما يخص قضية "ريجينى"، لاسيما بعد التوتر الذي شاب العلاقات المصرية مع ايطاليا، مضيفا أن المسئولين الايطاليين رحبوا بالوفد المصري وشددوا على علاقاتهم المتميزة مع المصريين، بعد أن تلاشت أمامهم الشوائب التي لحقت بالعلاقات المصرية الايطالية. ولفت رئيس وفد الدبلوماسية الشعبية، في تصريح مقتضب ل"المصريون" إلى أن زيارة الوفد للفاتيكان أحدثت تطورا ايجابيا في العلاقات مع القيادة الروحية للكاثوليك، متوقعا أن يكون للفاتيكان دورا كبيرا في سبيل عودة العلاقات بين القاهرةوروما. ونوه الفضالي، إلى أن الوفد الشعبي سيعود غدا للقاهرة، مضيفا أن الوفد سيعلن خلال الفترة المقبلة عن مؤتمر صحفي يوضح فيه كواليس التي دارت في زيارة الوفد لايطالياوالفاتيكان. وفي ضوء ما سبق، أعلنت مشيخة الأزهر الشريف، أن الإمام الأكبر أحمد الطيب سيتوجه اليوم، للفاتيكان للقاء البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، بعد قطيعة استمرت خمس سنوات وسوف يعقد بالمقر البابوي بالفاتيكان لقاءاً سيشهد خطاباً هاماً من شيخ الأزهر سيتضمن رسالة سلام للإنسانية كلها، بالإضافة إلى إظهار رسالة الإسلام السمحة، والتي تحمل الخير للبشرية جمعاء. ومن جانبه قال الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن الفاتيكان قد تلعب دورًا كبيرًا في الفتور الحاصل للعلاقات بين القاهرةوروما، لاسيما وان ايطاليا تدين بكاثوليكية، والقبول الذي يحظى به بابا الفاتيكان في ايطاليا وقيادته الروحية لأكثر من مليار و300 مليون كاثوليكي، إضافة إلى العلاقات التاريخية التي تجمع ايطاليابالفاتيكان، وسيطرة روما عليها خلال فترة من الفترات. وأثنى أستاذ العلاقات الدولية على جهد الوفد الشعبي بقيادة المستشار أحمد الفضالي وزيارته الناجحة للفاتيكان، لافتا إلى أن الفاتيكان سيكون لها دور كبير على ايطاليا في سبيل إعادة العلاقات مع مصر بعد شابها الفتور. ولفت إلى أنه على الرغم من أن أوروبا بصفة عامة و ايطاليا بصفة خاصة، تفصل بين الدين والسياسة إلا أن القيادة الروحية للفاتيكان لا تزال قوية، مضيفا أن ما يؤكد ذلك الدور الكبير الذي لعبه الفاتيكان في إسقاط الشيوعية. إلي ذلك، كشفت تقارير إعلامية ايطالية، تراجعًا في الموقف الايطالي الرافض تجاه مصر، على خلفية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجينى، لكن هذه المرة بسبب الأزمة الليبية. صحيفة "سيثيليان فوراماثيونى" الإيطالية أشارت إلى أن القلق على الأمن القومي الذي يتعلق بتعاون مصر في الملف الليبي كان دافعًا لهذا التراجع، لذلك تسعى إيطاليا للإبقاء على القاهرة داخل الشأن الليبي حرصًا على مصلحتها القومية. وأكدت الصحيفة أن إيطاليا تنشغل ب3 مصالح قومية أساسية في ليبيا، أولها أنها ترى الاستقرار في ليبيا ضروريا للحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى جنوبي البلد الأوروبي، والمصلحة الثانية تتمثل في محو التهديدات التي يفرضها تنظيم داعش في ليبيا، جارتها الجنوبية، أما الثالثة والأخيرة فهي حماية أصول النفط والغاز الطبيعي المملوكة لشركات الطاقة الليبية. وأوضحت الصحيفة أن وزير خارجية إيطاليا باولو جنتيلونى أكد عندما كان في تونس دعم إيطاليا لحكومة فائز سراج، مشيرة إلى أن هناك توافقًا في الرؤى بين القاهرةوروما حول دعم حكومة الوفاق الوطني، حيث أكد الوزير الإيطالي أن "مصر لديها دور مهم في التحول الليبي". ورأي الدكتور عمار علي حسن، أستاذ العلوم السياسية، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن جزء من الأزمة الايطالية مع مصر، مفتاحها ليبيا، لاسيما وأن روماوالقاهرة لهما كيانات على الأرض الليبية، موضحا أن الصراع الليبي يحظى باهتمام خاص لدى مصر وايطاليا لاعتبارات أمنية. ويؤكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن الليبي، كامل عبدالله، ما ذكره حسن، أن استقرار ليبيا يحظى باهتمام بالغ بالنسبة لمصر وايطاليالإيطاليا، لافتا إلى أن هذا يعود لأسباب أهمها أن 60% من واردات إيطاليا من النفط يأتيها من ليبيا، لذلك كان دحر الجماعات المسلحة وإبعادها عن صنابير النفط المتدفق لإيطاليا مسألة أمن قومي بالنسبة لروما. وتابع عبدالله، كما أن امن ليبيا يحتل أهمية كبير لمصر، يرجع ذلك لحجم العمالة المصرية التي كانت تفد على ليبيا، ومدى مساهمة ذلك في تخفيف الضغط على الحكومة المصرية، عن طريق توفير فرص عمل لملايين الشباب المصري، فضلا على التخوف المصري من تدهور الوضع في ليبيا أن يؤدي ذلك لتدفق الإرهاب، وتهريب السلاح لمصر.