وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم كلمة للشعب ، بمناسبة الاحتفال بإعطاء إشارة البدء لحصاد القمح بمشروع المليون ونصف المليون فدان بمنطقة سهل الغاب بالفرافرة في الوادي الجديد ، وقد كانت الكلمة كالمعتاد تتحدث عن مشروعات قومية عملاقة جاري العمل عليها ، وأنه بإنجازها سيتغير وجه مصر ، ومع ذلك يتحدث أحيانا باعتبارها إنجازا تم وبلغة "اللي احنا عملناه" ، وكانت الملاحظة الأكثر حضورا هذه المرة في كلمة الرئيس هو حديثه المتكرر عن أنه لا يخاف ، ما بخافش ، وقد كرر هذه الكلمة حوالي عشرين مرة في كلمته بصورة لافتة جدا ، وربما تكشف عن أن التقارير التي ترفع له من الأجهزة تقارير مربكة ومقلقة أو تشير إلى خطر ما ، لدرجة أن يتحدث عنه الرئيس بشكل غامض كل هذه المرات ، والمؤكد أن السيسي قلق من تلك التقارير ، لأن تكرار التحدي لا يمكن أن يكون لأسباب عادية أو غير مهمة . المشكلة في كلمة السيسي هي الحديث المستمر عن مشروعات عملاقة وقومية ضخمة ، دون أن يجد الناس لها أي أثر في أرض الواقع أو مردود على حياتهم ، كما أنه يصعب التحقق بشكل علمي ومحايد من جدواها أو قيمتها أو حتى إمكانية تنفيذها بالصورة المعلنة ، لأن البلد تفتقر الآن إلى أي جهة رقابية مستقلة تملك الجرأة على انتقاد الرئيس علنا أو مراجعته بصرامة ، والعاقل من اتعظ برأس هشام جنينه الطائر ، كما أن البرلمان بالصورة التي نراها لم ينجح في أن يكسب ثقة المجتمع في قدرته على أن يكون مؤسسة رقابية مستقلة وقادرة على محاسبة السلطة التنفيذية ، ناهيك عن رئيس الجمهورية ، وبالتالي فما يقوله الرئيس عبد الفتاح السيسي من أرقام وبيانات هو كلام مرسل لا يمكن أن نبني عليه ، وحديثه عن أعمال مثل الأنفاق تستغرق ثلاثة عشر عاما لكننا اختصرناها انتقده فيها خبراء هندسيون كبار واعتبروها كلاما غير دقيق وغير علمي ويتجاهل تطورات تقنية ضخمة في عالم اليوم ، كما سبق وحذرنا من خطورة أن يتم الحديث عن مشروعات ضخمة وطويلة الأمد تنفذ في سنوات طويلة ، في الوقت الذي تنتهي فيه مدة السيسي الرئاسية بعد أقل من عامين ، فهذا يعني عمليا أنه غير محاسب على شيء ، لأنه في أفضل الأحوالي كمن يضع حجر الأساس للمشروع ، وأن المشاكل سيتم ترحيلها لمن يأتي بعده ، أو أن يضطر البعض إلى الدعوة للتمديد له فترات رئاسية أخرى بحجة العمل على إنجاز ما بدأه ، وهكذا ندخل في الدوامات التي تنتهي بثلاثين أو أربعين سنة رئاسة ثم نفيق في النهاية على الكابوس . بعض ما قاله الرئيس في كلمته يؤكد بعض وساوسنا ، خاصة حديثه عن مشروع تطوير قناة السويس بإضافة تفريعة جديدة ، لأن السيسي تكلم عن أن هذا المشروع ناجح وأن دخل القناة لم يقل بل حقق زيادة ، وهو كلام مخالف تماما للأرقام الرسمية التي صدرت عن دخل قناة السويس العام الماضي ، والتي تثبت بوضوح أن عائدات القناة تراجعت بحوالي ثلاثمائة مليون دولار ، أي حوالي ثلاثة مليارات جنيه ، فكيف يقول رئيس الجمهورية بكل بساطة وجرأة أنها لم تخسر بل دخلها زاد أيضا ، هذه مجازفة في القول تلقي بظلالها على مجمل ما قاله وتشكك في الكلام كله ، لأنه يعني أن البيانات التي تقدم له من الأجهزة المعاونة غير صحيحة أو غير دقيقة ، كما تحدث السيسي عن أن سفينة "شحطت" في القناة وكان يمكن أن تعطل المجرى لولا أننا أنجزنا قناة جديدة ، دون أن يشير إلى أن السفينة شحطت في التفريعة الجديدة لأسباب لا داعي للاستفاضة فيها الآن . عاد السيسي في كلمته لدعوة الأمة للتوحد وعدم السماح لأحد بأن يفرقنا ، بينما الأداء السياسي للدولة بكاملها يفجر المجتمع ويجعل الكل متصادما مع الكل ، حتى أن حلفاء السيسي نفسه في 3 يوليو تقريبا انفضوا عنه ، إلا قليلا ، وأصبح كل أسبوع يحمل صراعا أو صداما بين مؤسسات الدولة وبعضها البعض أو مع النقابات المهنية أو الأحزاب ، ويتم افتعال أحداث برعونة غريبة ، وكأن هناك في الدولة من "يجر الشكل" مع المجتمع بقطاعاته المختلفة ، ثم يأتي رئيس الجمهورية ليحدثنا عن أهمية أن نتوحد ولا نسمح لأحد بأن يفرقنا ، هل تعيش معنا في هذا البلد يا سيادة الرئيس .