طالب الكاتب الصحفي مصطفى بكري، الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن يعيد ترتيب أوراقه مجددًا، وأن يدقق فى الاختيار بنفسه، وأن ينزل إلى الناس فى كل مكان، موضحًا أن السيسي يملك سحرًا ينفد إلى القلوب، ولكن ذلك ليس وحده كافيًا، فسياسة ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وسياسة الناس ستقبل منك كل شىء انتهى زمانها. وقال "بكري"، في مقاله بصحيفة "الوطن": الناس لم تنصرف عن السيسي، لكن الناس تنتظر ثورة جديدة من السيسي، حتى لا يبقى وحده الذي يمضي بسرعة الصاروخ، بينما البقية لا تزال تزحف كالسلحفاة. وإلى نص المقال:
ما زلت أتذكّر هذا اليوم، التاسع والعشرين من أبريل 2013، كان الإخوان لا يزالون يحكمون، وكان السخط العارم اعتمل فى النفوس، البلاد على فوهة بركان، والشعور السائد أن مصر قد اختُطفت ولن تعود إلا ببحور من الدماء. فى دار الجلاء للقوات المسلحة، كان الاحتفال الذى نظمته الشئون المعنوية بالاشتراك مع جامعة المستقبل، كان عنوان «الأوبريت» «حبيبى يا وطن»، لم يُدعَ أى من مؤيدى الإخوان إلى هذا الحفل، جرى انتقاء المدعوين بعناية، وكانت تلك رسالة لكل من يعنيهم الأمر. جاء مكانى إلى جوار اللواء عباس كامل، مدير مكتب وزير الدفاع فى ذلك الوقت، وأمامى مباشرة الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام ووزير الدفاع. قلت للقائد العام: مصر رايحة على فين يا فندم؟ قال بصوت الواثق: «ماتخافوش على مصر». بعد قليل بدأ الحفل، الكل يشدو لمصر، يغنى للوطن، كانت المشاعر فياضة، وقلوبنا معلقة، فالوطن مخطوف، والنار فى كل مكان، المستقبل غامض، والأمل فقط معقود على جيش مصر العظيم. أمسك القائد العام عبدالفتاح السيسى بالميكروفون، أعطى وجهه للحاضرين واقفاً، قال بلغة أولاد البلد: «أنا عاوز زمايلى وولادى الضباط يوجهوا التحية لمصر»، انطلق التصفيق عارماً، استمر لعدة دقائق، هتف البعض «تحيا مصر»، قال السيسى، وكأنه يريد أن يبعث برسالة طمأنة للمصريين جميعاً: «عاوز أقول لكم كلمتين.. الجيش المصرى جيش عظيم، شريف، صلب، قوى». هتف الحاضرون: «الله أكبر»، أكمل القائد العام، وكأنه يبعث برسالة الاطمئنان من جديد: «بس أنا عاوز أقول لكم لا تقلقوا أبداً على بلدكم مصر، المصريون عندما أرادوا التغيير غيروا الدنيا كلها». كلمات لا تخلو من معنى أو دلالة، القائد العام يتحدث علانية عن حلم التغيير وإمكانات تحقيقه، إنه يبث الثقة فى النفوس، ويؤكد أن فى قدرة المصريين أن يغيروا، وأن يحققوا الانتصار. قال السيسى مشيراً بيده إلى الحاضرين: «الضباط والطلبة اللى انتوا شايفينهم دول، الدم اللى فى عروقهم بيحب مصر»، ضجّت القاعة بالتصفيق من جديد.. نظر السيسى إلى الشباب وقال: «أنا حقول للشباب كلمة، لازم يكون عندكم أمل وثقة فى بكرة، وبكرة تشوفوا مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا». سالت الدموع من عيون الفنانين، بكت آمال ماهر ومحمد فؤاد، وحكيم، ومدحت صالح، وهانى شاكر، حتى لطيفة وحسين الجاسمى كان التأثر الشديد بادياً على وجهيهما. فى هذا اليوم، عاد الأمل إلى نفوس المصريين، استطاع السيسى أن يدخل إلى قلوب الناس بكلماته ووطنيته وشجاعته ونبله وإيمانه بالمستقبل. أدرك المصريون أن الجيش لن يتخلى عنهم، وأن حلم التغيير ليس بعيداً، وأن القائد الذى أقسم أن جيش مصر الذى ظل ضباطه وجنوده (150 ألفاً) فى الشوارع طيلة ثمانية عشر شهراً لحماية الدولة والناس، لن يتخلى عن رسالته فى المرحلة المقبلة، ولن يطلق رصاصة واحدة على شعبه (تُقطع يداه إن فعلها، كما قال السيسى). فى هذا اليوم أدرك الإخوان أيضاً أن السيسى حزم أمره وأنه لن يتخلى عن الشعب، وأن القوات المسلحة لن تقع فريسة للإخوان ومطامعهم. كنا فى هذا الوقت نموت حسرة على الوطن، القلق على مصر يقتلنا كل لحظة، نكافح من أجل الحفاظ على هويتها وعرقلة المخطط الإجرامى لإحلال الجماعة محل الدولة. فى هذا اليوم خلدنا إلى النوم سعداء، اشتد عودنا مجدداً، أصبحنا ندرك أن اللحظة قد حانت، دعونا الله أن يحفظ السيسى، الابن البار لمصر. كنا نعرف أن كلماته هى رسائل للجيش وللناس وللإخوان؛ مصر لن تسقط، والجيش لن يسمح، لأنه جيش وطنى شريف، مصر تجرى فى عروقه، وسيبقى مدافعاً عن الشعب وعن الدولة. حدث ذلك فى أبريل عام 2013 فى زمن الإخوان، حيث كانت الأنفاس تُعد على الناس، وحيث كان العسس يتابعون ويراقبون فى كل مكان، لكن السيسى لم يهتمّ ولم يخف، ولم يتردد، ولم يبحث عن الأمان، لكنه كان يبحث عن الوطن المخطوف ويمنح الأمل للمحبطين بأن الجيش لن يتخلى عنكم. منذ هذه اللحظات تغنّى الناس ب«مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا»، كان حلماً لم يعِه الكثيرون فى هذا الوقت، لكن السيسى كان يدرك أن هذا الوطن لن ينكسر، وأن مصر أقوى من كل محاولات إسقاطها. منذ هذا الوقت تغير المزاج العام، أصبح السيسى حلم الكثيرين.. مضت الأيام سريعاً، وتحقق الحلم فى 3 يوليو من نفس العام. أيام صعبة، ولحظات حاسمة، وحروب مفتوحة، والسيسى كان هدفاً، بل الجيش المصرى بأسره، توحد الشعب مع الجيش مع الشرطة مع القضاء، هتفنا جميعاً. صوتنا وصل إلى عنان السماء، لم يكن السيسى راغباً فى مناصب، كان زاهداً، لا يريد شيئاً، فقط يحلم معنا بمصر المستقبل. مضت الأيام سريعاً، استدعيناه، وكلّفناه، قَبِل التكليف، إنه جندى فى الميدان لا يستطيع أن يقول «لا»، مضينا معه فى الطريق، لكن الطريق ليس سهلاً والتحديات جسام. واجه الإرهاب بكل جسارة، بأخلاق الفرسان، أمسك بدفة السفينة وسعى إلى إنقاذها بعيداً عن الأمواج المتلاطمة، حاول أن يتفادى، لكن الأمواج تطارد السفينة فى كل مكان، قال منذ البداية: «أنتم شركائى فى المسئولية، لا تتركونى وحيداً».. لكن الأمر انتهى به منذ أيام ليقول لنا «عاملونى زى ما بعاملكم»، ياااه، شتان بين أمس واليوم، ماذا جرى، وماذا حدث، وكيف نصل بالرئيس إلى أن يطلب منا فقط العدل والمساواة؟ فى زمن الفتنة والتآمر، والأموال الملوثة، والوجوه الخائنة، راح البعض يعيد إنتاج الأحداث، يستغل عواطف الناس، يسعى إلى إهالة الثرى على واحد من خيرة رجال هذا الوطن، السيسى عنوان الشرف والأمانة والنزاهة والوطنية، راحوا يطلقون عليه شائعاتهم الدنيئة وأكاذيبهم المدفوعة سلفاً، ويقولون للرجل الذى تحدى الإخوان ودافع عن الأرض وحمى مصر، إنه فرّط فى أراض مصرية. وفى ظل إعلام بعضه غوغائى، وبعضه يتآمر علناً، أصبح الصوت عالياً، التشكيك، الكذب، الادعاء، إرهاب كل من يقف إلى جانب الرئيس الذى اختاره الشعب فى انتخابات حرة ونزيهة بنسبة 97٪. اشتعلت الحرب ضد السيسى، لجان إلكترونية من الداخل والخارج، تصدير للأزمات، سخرية من الخطاب، افتعال المشاكل وزيادة الاحتقان، بينما الأغلبية الصامتة (حزب الكنبة) عادت إلى صمتها من جديد، وظلت ترقب المشهد، قلبها مع السيسى، لكن الحروب مسلطة على عقلها، وكأن المطلوب أن تبقى بعيداً، وأن تترك الرئيس ومصيره.. لا تصدقوا أن المصريين نسوا دور السيسى فى إنقاذ الوطن، ولا تصدقوا أنهم ينتظرون اللحظة المناسبة للانقلاب عليه، كما يشيع البعض، لكنهم رغم الألم والأزمات صابرون، صامدون، حتى وإن عادوا إلى مواقع المتفرجين من جديد، لكنهم لحظة أن يتم استدعاؤهم فهم حاضرون. إذا كان البعض قد نسى أو تناسى، وإذا كانت عيون النخبة قد عميت أبصارها عما يحدث إلى جوارنا، فإن الأخطر أن النظرية التى تقول إن الرئيس يستطيع أن يفعل كل شىء وحيداً هى نظرية ثبت خطؤها، وأن نظرية احتواء المعارضين ليست صحيحة، وأن الرهان على بعض المقربين لا يغنى ولا يسمن من جوع. صحيح أننا نمر بظروف صعبة، وصحيح أن المؤامرة كبيرة والتحديات لا تتوقف، ولكن الخيار الوحيد هو فى الناس، الناس هى القوة الحقيقية، والوصول إلى قلوب وعقول الناس ليس معضلة، فالناس لا تزال تحب الرجل، حتى وإن كان لها بعض العتاب. الناس تعرف جيداً أن خيار السيسى خيار وطن وأن فشل السيسى فشل للدولة المصرية، ولكن فقط الكل يطلب من الرئيس أن يعيد ترتيب الصفوف، وأن لا يعتمد فقط على اسم «السيسى» وشعبيته، فالتحرك السريع، واحتواء الأزمات، والانخراط فى الواقع العملى بعيداً عن المثاليات، كلها آليات مهمة لمواجهة المؤامرة وحالة الانفراط. مطلوب من الرئيس أن يعيد ترتيب أوراقه مجدداً، أن يدقق فى الاختيار بنفسه، أن ينزل إلى الناس فى كل مكان، فبهؤلاء انتصر جمال عبدالناصر، وبهم تحدى الجميع، تحملوا لأجله الكثير، ربطوا الأحزمة، خاضوا معه المعارك، وسحقوا أعداءه، وتحدوا مؤامراتهم، كان التنظيم السياسى وكان الحس الجماهيرى يحمى الدولة ويلتف حول الرئيس. صحيح أن «السيسى» يملك سحراً ينفذ إلى القلوب، وصحيح أنه منحاز إلى الفئات الدنيا، ويمتلك شجاعة المواجهة، ولكن ذلك ليس وحده كافياً، فسياسة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، وسياسة «الناس ستقبل منك كل شىء»، انتهى زمانها، الواقع مختلف، وحملات التشويه لا تتوقف، وصناعة الأزمات لك وللوطن مستمرة. نحن معك حتى آخر مدى، لأن معركتك معركة الوطن وأنت لها، ولكن السؤال: متى يجلس الرئيس مع نفسه ليعيد صياغة استراتيجيته واختياراته حتى لا يضطر إلى أن يعيد مجدداً حديث «البلدوزر»، و«لا تتركونى وحدى»، و«عاملونى زى ما بعاملكم»!! الناس لم تنصرف عن السيسى، لكن الناس تنتظر ثورة جديدة من السيسى، حتى لا يبقى وحده الذى يمضى بسرعة الصاروخ، بينما البقية لا تزال تزحف كالسلحفاة!