الآن هناك خناقة بين الإخوان بعضهم بعضاً لأسباب معروفة ، وهذه ستحل بطرق الإخوان المعهودة وإن إستغرقت وقتاً طويلاً . وخناقة أخرى بين الإخوان وحلفائهم الإسلاميين – ممن يثقل عليهم حمل لقب حليف سابق - ، وهى الخناقة التى تهمنا هنا وربما أشار إليها لأهميتها الأستاذ منتصر الزيات فى بوست على صفحته مشيراً إلى أنها سبب " تأخر النصر " واصفاً هذا الجيل بهذا الوصف " لسنا جيل النصر " ذاكراً طرفاً من الخناقات المنتشرة بشكل واسع هذه الأيام على الصفحات الخاصة والجروبات ! الزوايا المختلفة لهذا الملف تطرقنا لها فى مقالات ومواقف كثيرة ، ولا أدعى فخراً بأننى أعلنتها عام 2013م وذكرت الخلفيات والأسباب التى تحقق معظمها اليوم ، لكن هناك زاوية تتعلق بتاريخية وديناميكية تلك الحالة ربما ذكرتها فى حوارات مغلقة ولم أعالجها علانية ، وهى اليوم جديرة بالإهتمام لتحكمها بصورة مباشرة فى النتائج التى لا تتغير عادة ، فالمسألة شبيهة بالمعادلة ؛ تحدث معطيات وتتصارع أطراف فيؤدى هذا الصراع فى كل مرة إلى نتيجة واحدة . دعونا لا نرى أمامنا الآن إلا الكتلة الإسلامية ، وهى تضم قطاعاً عريضاً من الجماعات والفصائل متشابهة الأهداف ومتنوعة التكتيك ، وراءها رأى عام ساكن ومتحرك من وسط اليسار إلى أقصى اليمين . داخل هذه الحالة يتصارع طرفان عادة ؛ أقصى اليمين مع الوسط ، أو التشدد مع الإعتدال – أى اليمين ضد نفسه .. بمعنى الخط المتشدد ضد الإعتدال داخله - . حتى نفهم هذه الحالة بوضوح مع مراعاة الإختلاف وتباين الظروف نضرب مثلاً ؛ فالخوارج تصارعوا مع على بن أبى طالب رضى الله عنه - وهم معه ضد معاوية - ! وإن كان معاوية يمثل الطرف السياسى " الدنيوى " الخصم لكل من على – رضى الله عنهم – والخوارج ، فبوسعنا تقسيم المعادلة كالتالى : معاوية " على يسار على " ، وعلى " وسط " اليمين حيث يمثل الجانب الدينى ، والخوارج على يمين على ، حيث تطرفوا ضده وخرجوا عليه وتصارعوا معه إحتجاجاً على " إعتداله " و " تساهله " وقبوله التحكيم وإغتالوه ، وكان كل ذلك لصالح معاوية . وبالطبع فشلوا فى مهمة النيل من معاوية ، بالرغم من أنه خصمهم الظاهر ، ليس فقط لإحتياطاته الأمنية وحرصه على تشديد الحراسة حوله ، إنما بسبب الصراع داخل معسكر على رضى الله عنه هذا الصراع ليس من التاريخ فحسب – ولننسَ الآن النموذج التاريخى - ؛ فالحالة الإسلامية المعاصرة تحكمها هذه المعادلة بشكل ملفت وآخر تجلياتها فى سوريا ، وتتفاعل أيضاً فى مصر بشكل بارد يقف فقط عند مستوى التخوين والخناقات اللفظية ؛ فالثورة عادة تخرج من أقصى اليمين على الوسط – داخل الحالة الإسلامية – رفضاً لإعتدالها إزاء الطرف المقابل .. والنتيجة معروفة ومتكررة . مقصدنا من البداية بعيداً عن التفاصيل العريضة والغوص فى ملفات الأزمة لم يكن لتثأر هذه الجماعة من تلك بسبب مواقف قديمة ، وليس فقط لكسر النفعية والخداع – وإن كان هذا مطلوباً - ، فضلاً عن رؤيتنا وتوصيفنا للمشهد ككل ؛ وشبيهاً به أن معاوية لم يكن خارج الحالة الإسلامية إنما من داخلها وإن كان على أكثر تعبيراً عن التيار الدينى والرؤية الإسلامية منه ، والحل الوسط فى صالح الأمة وتماسكها فى مواجهة أعدائها الحقيقيين .. لكن المقصد الأساسى هو تثبيت الجنوح الجماعى نحو الوسط لتحجيم الصراع داخل الحالة الإسلامية خاصة وأن هناك جماعات كانت محسوبة على التشدد – على يمين الإخوان – قامت بمراجعات وأظهرت الإعتدال وتحركت نحو الوسط ، وهو مسار يصب فى إصلاح الحالة الإسلامية الذى يسهم فى التماسك المجتمعى وقوة الأمة . أما نتائج المعادلة المذكورة فى التاريخ القديم والمعاصر وتُرى بوضوح الآن فهى بإختصار : أولاً : عزلة اليمين " المتشدد " – أقصى اليمين - وإنقسامه وتحوله إلى جماعات متخاصمة تخون إحداها الأخرى . ثانياً : بقاؤه على هامش الأحداث ؛ فالتاريخ يصنعه عادة المتصارعون فى الوسط ، حتى ولو أسهم فيه وقدم تضحيات . ثالثاً : الإحباط بسبب تكرار الهزائم والإنقسام والخناقات .. والسبب الحقيقى لا يتعلق فى الأساس بطبيعة ومسار الصراع مع الطرف المقابل – فتلك قضية أخرى – إنما بالصراع بين مكونات التيار الإسلامى ، وهى قضية يلزمها " التجديد " الدائم ، وفرض الرؤية الوسط على الجميع ، وعندما تتغير المعادلة وتتفاعل الأطراف من أماكن ومواقع جديدة – أطراف الحالة الإسلامية – فليس هناك شك من أن النتائج ستتغير .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.