قصت سورة نوح عليه السلام فى القرآن الكريم كيف أنه دعا على قومه الكافرين بعد أن زاد عنادهم له وتكذيبهم لدعوته فاستجاب له الله عزو جل وأغرقهم ولم ينج إلا من حمله نوح عليه السلام معه فى السفينة. فهل أهل الأرض هم ذرية نوح؟ ذكرت كتب العلماء المفسرة، أن صريح القرآن الكريم يدل على أن جميع من على الأرض أغرقوا بالطوفان، ولم ينج من البشر ولا من الحيوان إلا مَن حمله نوح عليه السلام معه في السفينة. قال الله تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) الشعراء/119-120. وقال عز وجل: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود/40. فكما جاء النص في القرآن الكريم على أن الأرض إنما عمرت بعد ذلك من نسل ذرية نوح عليه السلام فقط، وأما المؤمنون الذين نجوا معه في السفينة فلم تبق لهم ذرية، فجميع أهل الأرض الآن من ذرية نوح عليه السلام. وقال قتادة في قوله: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) قال: الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام. "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (7/22). "وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا ثمانين نفسًا معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفسًا، وقيل: كانوا عشرة. وقال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعًا، وهو الذي عند أهل الكتاب، وقيل: ثمانين ذراعًا، وعَمَّ جميع الأرض طولها والعرض، سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف، ولا صغير ولا كبير. وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله" ضمير الفصل في قوله: (هُمُ الْبَاقِينَ) للحصر، أي: لم يبق أحد من الناس إلا من نجاه الله مع نوح في السفينة من ذريته، ثم من تناسل منهم، فلم يبق من أبناء آدم غير ذرية نوح، فجميع الأمم من ذرية أولاد نوح الثلاثة، وظاهر هذا أن من آمن مع نوح غير أبنائه لم يكن لهم نسل. قال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه. وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله في سورة هود: ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ). وهذا جار على أن الطوفان قد عم الأرض كلها، واستأصل جميع البشر، إلا من حملهم نوح في السفينة" . فلا يدل على استمرار نسل المؤمنين الذين حملهم نوح عليه السلام معه، بل المقصود أبناء نوح عليه السلام الذين استمر نسلهم دون باقي المؤمنين. قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله: "قوله تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)، بين أن ذرية من حمل من نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)".