يرى الكاتب والأكاديمي السعودي خالد الدخيل، أن هناك 3 دلائل تشرح طبيعة الجدل الذي يدور في مصر تجاه اتفاقية تيران، مؤكدًا أن ازدواجية الحكومات المصرية المتتالية تجاه تلك القضية ورغبة بعض التيارات السياسية في استغلال الحدث، إضافة إلى غضب جزء كبير من أنصار 30 يونيو من سياسات الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال "الدخيل" في مقاله بصحيفة "الحياة"، إن اللافت في انفجار الجدل على هذا النحو حصل حيال قضية لم تكن محل خلاف من قبل بين السعودية ومصر، موضحًا أنه جرت مياه ضخمة في مسار العلاقات السعودية المصرية منذ العهد الملكي حتى الآن تخللتها خلافات وصدامات وتحالفات وصداقات وأزمات، ولم تبرز خلال ذلك أية إشارة إلى خلاف حول عودة ملكية تيران وصنافير إلى السعودية. واستند الكاتب في رؤيته إلى ما كتبه الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، سابقًا حيث ذكر في كتابه "سنوات الغليان" الصادر عام 1988 الملكية السعودية للجزيرتين، وذلك في سياق حديثه عن خلاف أميركي - إسرائيلي إثر العدوان الثلاثي، يتعلق بمسألة حرية الملاحة في خليج العقبة والوجود العسكري المصري في غزة آنذاك، مشيرًا إلى أن وضعه هذا الاستشهاد، جاء لكون "هيكل" رجل عاصر غالب تقلبات العلاقات السعودية - المصرية منذ 1950، وكاتب واسع الاطلاع على التاريخ المصري الحديث، وشديد الاهتمام بالوثائق، والأهم في هذا السياق أنه لا يمكن اتهامه بمحاباة السعودية، وقد كان من أبرز خصومها في مصر. وأشار إلى وجود 3 دلالات ينطوي عليها المنحى الذي اتخذه الجدل المصري، في مقدمتها أنه ثمرة ازدواجية السياستين الداخلية والخارجية لحكومات مصر المتتالية، ففي السياسة الداخلية بقيت المناهج الدراسية تغرس في أذهان الطلاب منذ عقود أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان ضمن الأراضي المصرية، وفي الوقت نفسه تتعامل أجهزة الدولة الأخرى، وبخاصة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، مع الجزيرتين على أنهما وديعة سعودية لدى مصر، ولأنه لا يمكن التوفيق بين هاتين السياستين حصلت الصدمة العاطفية لدى كثيرين بعد إعلان الاتفاق، وهي صدمة عبّر عنها بعضهم بشحن عاطفي في الفضائيات، مضيفًا أنه من الناحية الأخرى هناك من صدم بالاتفاق ونتيجته كان أسيرًا لما تعلمه من المناهج في سنواته المبكرة، ولم تتجاوز حدود معرفته في هذا الموضوع ذلك المستوى، ويبدو تصور الرئيس صحيحًا. وأما الدلالة الثانية، من وجهة نظر "الدخيل"، فهي اعتبار جماعة "الإخوان المسلمين"، الاتفاق في مثل هذه الأجواء فرصة للانقضاض على السيسي والانتقام منه، مؤكدًا أن تلك الرؤية تفتقر إلى الحصافة والذكاء السياسي، لأنها استثمار في الفرقة وإثارة النعرات بين شعبين عربيين، وسيكون "الإخوان" أول من يدفع ثمنها، وكأنهم لم يتعلموا من افتقارهم إلى الذكاء السياسي عندما وصلوا إلى الحكم، حسب قوله. ويؤكد "الدخيل"، أن الدلالة الثالثة تتعلق بوجود تيار متذمر من السياسات المحلية لحكومة الرئيس السيسي، وهو تيار مدني يتجاوز "الإخوان" إلى من كانوا حلفاء السيسي بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، مشيرًا إلى أنهم مثل "الإخوان" كانوا يبحثون عن مدخل للتعبير عن تذمرهم، وظنوا أنهم وجدوا ذلك في اتفاق ترسيم الحدود، ثم هناك حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، الذي خسر الانتخابات أمام السيسي، والتيار الذي يمثله، يبدو أن صباحي وجد في الاتفاق أيضًا فرصة لإعادة تسويق اسمه في الساحة السياسية. وأوضح الكاتب السعودي، أن أكثر ما يلفت النظر في الجدل المصري هو الحس القبلي المضمر في مواقف كثير من المعترضين فهم مثل أبناء القبائل العربية القديمة، لا يقبلون الاحتكام إلا إلى قبائلهم وأعرافها، من حيث لا يقيم هؤلاء وزنًا لقانون، مؤكدًا أنه لا يعتبر ما وافقت عليه حكومة السيسي في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية تنازلًا عن شبر من أراضي مصر. واختتم: إذا كان هذا موقف مصر من العهد الملكي حتى نهاية عهد حسني مبارك، فهل يمكن القول: إن بعضهم من النخبة المصرية يجهل ذلك؟ أم إنه يتجاهله؟ وهل هذا الموقف موجه ضد عبدالفتاح السيسي حصرًا، أم أنه موجه من خلاله إلى السعودية؟.