بعض النواب الجدد، دخل البرلمان يوم أمس، بعقلية "الميدان" .. وبعضهم الآخر "زايد" عليه، ما أدى إلى مشادات أفسدت جزءًا من جمال اللحظة وروعتها. نواب ليبراليون .. اتشحوا بوشاح "لا للمحاكمات العسكرية" ما اعتبر مزايدة على الشارع وعلى ميدان التحرير تحديدًا... ونواب إسلاميون أضافوا إلى القسم "الدستورى" ما يعتقدون بأنه يرضى التيار الإسلامى .. وهى المزايدات التى تعكس قدرًا من "الخفة" التى لا تليق بجلال المنصب النيابى وهيبته. البرلمان ليس ساحة للتظاهر والهياج والتحريض وإثارة عواطف العامة.. وإنما هو مكان من المفترض أن يكون ل"عقلاء" الأمة.. ممن يتحلون بالوقار والحكمة والحصافة والقدرة على الجدل والنقاش وصوغ القوانين والتشريعات.. فضلا عن أن يكون "نائبًا" محل فخر واعتزاز من رفعوه "مكانا عليا". الشارع.. والمشهد السياسى المصرى، منذ سقوط مبارك فى الحادى عشر من فبراير الماضى، وهو مختطف من قبل المزايدين والمتاجرين بدم الشهداء وب"جسد" الوطن ذاته، وهى الظاهرة التى يبدو أنها بدأت تنتقل من فضائيات "غسيل الأموال".. إلى برلمان الثورة. الطريف والمدهش فى آن.. أن مَن اتشحوا بشعارات "لا للمحاكمات العسكرية" هم ممثلو التيار الليبرالى، الذى طالب الجيش صراحة بالانقلاب على الثورة والاستيلاء على السلطة.. بلغت حد أن طالب صحفى كبير فى حجم الأستاذ محمد حسنين هيكل الجيش فى حوار له بالأهرام بمصادرة الديمقراطية، وحثه على البقاء فى السلطة لثلاث سنوات على الأقل.. وبالغ "هيكل" واشطت فى عداوته ل"الدولة المدنية"، ولم يجد ما "يُخجل" فى تسمية المشير طنطاوى رئيسًا للجمهورية. فى المقابل فإن بعض نواب التيار الإسلامى.. والذين "زايدوا" على "الشريعة".. وعلى الإسلاميين بالمشاغبة داخل المجلس يوم أمس، هم ذاتهم الذين قبلوا الكتابة مقابل مكافآت سخية.. فى صحف معادية للإسلاميين وممولة إما طائفيًا أو من أموال التطبيع مع الكيان الصهيونى أو على غسيل الأموال. هذه الإطلالة "القلقة" فى برلمان الثورة.. لم تفسد بالتأكيد فرحتنا بوجود أول شرعية حقيقية فى مصر.. وأول برلمان منتخب، يعتبر الخطوة الأولى والأهم فى طريق استكمال استحقاقات ثورة يناير.. لأن "المزايدين" تحت القبة يعتبرون "قلة" ستحتويهم الأغلبية العاقلة والحصيفة، التى جاءت من أجل إعلاء "كلمة الشعب" وليس المزايدة عليه. مبروك لمصر.. وللعرب الذين لحقوا بقطار الربيع الثورى.. والبشارة لمن هم على الطريق لا يزالون يكابدون مشقة القمع.. ويواجهون بصدروهم العارية رصاص أنظمة فاسدة ستسقط قريبًا إن شاء الله تعالى. [email protected]