كشفت صحيفة "لوموند" أن عددا من السياسيين الفرنسيين سارعوا لاستغلال الهجمات الدامية التي هزت بروكسل في 22 مارس, للترويج لمقترحاتهم فيما يتعلق بقضية الهجرة. وقالت الصحيفة في تقرير لها في 22 مارس إن الاستغلال السياسي لهذه الهجمات بدأ على الفور, حيث انتقد رئيس كتلة الحزب الاشتراكي في البرلمان الفرنسي برونو لورو موقف بعض النواب, وتعطيلهم تعديلات دستورية مقترحة بخصوص حالة الطوارئ, وسحب الجنسية من المتورطين في قضايا "الإرهاب". كما نقلت الصحيفة تغريدة للنائب عن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة ديفيد راشلين تساءل فيها "كم يلزم من هجمات لاتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة، خاصة وقف الهجرة ونهاية نظام شنغن؟". وكانت هجمات دامية هزت العاصمة البلجيكية بروكسل صباح الثلاثاء الموافق 22 مارس, وذلك بعد أربعة أيام من اعتقال السلطات البلجيكية صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيس في هجمات باريس التي راح ضحيتها 130 شخصا في نوفمبر الماضي. واستهدفت التفجيرات مطار بروكسل ومحطة المترو الرئيسة بالعاصمة البلجيكية, ما أسفر عن سقوط نحو 34 قتيلا على الأقل, وحوالي مائتي جريح، وذلك في أعنف هجمات تشهدها بلجيكا, التي رفعت تأهبها الأمني إلى الدرجة القصوى. وأعلن رئيس بلدية بروكسل أن عشرين شخصا قتلوا في تفجير محطة قطار الأنفاق، و106 آخرين أصيبوا, بينهم 17 حالتهم خطيرة، بينما أكدت مصادر من الدفاع المدني أن 14 قتيلا و92 جريحا سقطوا في تفجيري مطار بروكسل. ونقلت وسائل إعلام بلجيكية عن المدعي العام الاتحادي قوله إن أحد التفجيرين نفذه مهاجم "انتحاري". واستهدف تفجير محطة مترو "مالبيك" -على بعد ثلاثمائة متر عن المفوضية الأوروبية- لدى وصول القطار أثناء ساعة الذروة الصباحية، وفور وقوع الانفجارات شلت الحركة في بروكسل، حيث أغلق المطار وأوقفت حركة وسائل النقل. ووصف رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل الهجمات بأنها "غاشمة وجبانة" , وأضاف " ما حدث لحظة سوداء في تاريخ بلادنا، وندعو المواطنين للتضامن والهدوء", مؤكدا أنه جرى نشر تعزيزات عسكرية، كما تجري عمليات تدقيق على الحدود. وألقت تفجيرات بروكسل بظلالها على العواصم والمدن الأوروبية، حيث أعلنت دول من القارة تعزيز إجراءاتها الأمنية بالمطارات ومحطات القطارات والمناطق الحيوية فيها، ووضعت ألمانيا قوات النخبة على أهبة الاستعداد، كما أدانت عدة دول ومنظمات التفجيرات, التي ضربت العاصمة البلجيكية. وحسب "رويترز", أعلن تنظيم الدولة "داعش" مسئوليته عن هجمات بروكسل, وقال التنظيم في بيان له إن مجموعة من مقاتليه نفذوا هجمات بعبوات وأحزمة ناسفة استهدفت كلا من المطار ومحطة المترو الرئيسة بالعاصمة البلجيكية. وأضاف أن المهاجمين أطلقوا نيران أسلحتهم داخل مطار زافنتم قبل أن يفجروا أحزمتهم الناسفة، وأكد أن الهجوم على محطة مترو مالبيك نفذه شخص فجّر حزاما ناسفا. ووفق بيان تنظيم الدولة، فقد أسفرت الهجمات عن سقوط أكثر من مائتين وثلاثين بين قتيل وجريح. يأتي ذلك في وقت نشرت فيه وسائل إعلام بلجيكية صورة لثلاثة أشخاص يحتمل تورطهم في تفجيرات مطار بروكسل. وتظهر الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة لمطار بروكسل, ثلاثة مسافرين اثنان منهم بالزي الأسود, وبحوزتهم حاملات الحقائب حيث يجري التحقق من هويتهم. وفي بيلاروسيا، أعلن جهاز أمن الدولة هناك في بيان له أنه يجري تحقيقات في احتمال ضلوع ثلاثة من مواطني بيلاروسيا بتفجيرات بروكسل. وقال البيان إن المشتبه فيهما هما الشقيقان ألكسي وإيفان دوفباش، اللذان هاجرا إلى بلجيكا عام 2008 واعتنقا الإسلام هناك، بالإضافة إلى الداغستاني مارات يونوسوف. وأوضح البيان أيضا أنه ىتم تحذير السلطات البلجيكية من إمكانية وقوع عمل "إرهابي" في بروكسل، ينفذه مقاتلون من تنظيم الدولة. ومن جهتها, ذكرت قناة "آر تي بي أف" البلجيكية أن الشرطة عثرت على بندقية كلاشنكوف بمطار بروكسل، بجوار جثة أحد الأشخاص، كما تم العثور على حزام ناسف، كما أفاد تليفزيون" اف تي ام" أن جسما مشبوها تم تفجيره في جامعة بروكسل بعد إخلائها من الطلاب. وحسب تقرير نشرته "الجزيرة" في 22 مارس, سلطت الأحداث الدامية الأخيرة في بلجيكا وقبلها فرنسا, الضوء من جديد على أوضاع المهاجرين الذين هم من أصول عربية ومشكلات اندماجهم في المجتمعات الأوروبية. وجاء في التقرير " معظم الدراسات عزت أسباب انتشار التطرف بأوساط بعض الجاليات إلى ضعف سياسات الإدماج ببلدان الاستقبال ومعاناة أبناء هذه الجاليات من التهميش والإقصاء، وتفشي الفكر المتشدد في بعض المساجد". وتابع "الشباب من أبناء الجيل الثالث للهجرة العربية إلى أوروبا شكلوا عنوانا عريضا لفشل سياسات إدماج المهاجرين، إذ لم يعش هؤلاء في مجتمعات أوروبا بقدر ما عاشوا على هوامشها، ولم ينالوا حظهم من الحقوق مثلما نال غيرهم، كما طالهم قدر غير يسير من التهميش والتمييز". واستطرد القترير " هذا التهميش قاد معظمهم إلى الانغلاق والانكفاء على الذات، بينما فاقم الجهل ومحدودية التعليم هذه العزلة الذاتية، وترتب على ذلك رفض تدريجي لهذه المجتمعات وتبرم من قيمها ليفرز هذا الواقع أزمة هوية حادة". وأضاف " حالة الاغتراب والتأرجح المستمر بين سؤال الهوية الوطنية والهوية الدينية هيأت البيئة الحاضنة للفكر المتطرف في مجتمعات منفتحة". وتابع "لم تنعكس المواطنة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأبناء المهاجرين مثلما لم تنعكس على آبائهم من قبل، وقد تزامن ذلك مع اعتماد دول الاستقبال آليات إدماج لم تراع الخصوصيات الثقافية واللغوية والعرقية ولكنها بالمقابل رجحت كفة المقاربات الأمنية". وأشار التقرير إلى أن معاهدة اللاجئين لعام 1951 نصت على ضرورة معاملة اللاجئين معاملة المواطنين, وأوصي بضرورة أن تستوعب الحكومات الأوروبية الثقافتين العربية والإسلامية، فيما يتوجب على المهاجرين السعي للاندماج وأن يكونوا أفرادا منتجين.