فتش عن مكتب المسئول، تلك بديهية غائبة عنا ذلك أن مدير مكتب أى مسئول هو الصندوق الأسود له أسراره وحياته وكواليس المنصب واتجاهاته وعلاقاته، بل تأشيراته وسفرياته وحساباته هى فى الصناديق السوداء لمديرى مكاتب المسئولين ليس هنا فى مصر ولكن فى العالم كله.. ولهذا هناك ما يسمى بالسكرتير التنفيذى سواء كان رجلا أم سيدة هو الرئيس التنفيذى، وفى البيت الأبيض كبير الموظفين.. وأعرف أن الدكتور أسامة الباز، المستشار ومدير مكتب مبارك للشئون السياسية، كان الصمام وحائط الصد وجهاز الاستشعار للرئيس السابق، بل وكان الجسر المقبول مؤسسته الرئاسية والشارع والمثقفين ومنذ أن أزاح جمال مبارك الرجل عن القصر وعن المكتب تدهورت أحوال الرئاسة وأحوال مبارك وفقد الرجل البورصة وبغض النظر عن الهفوات الشخصية لأسامة الباز وعلاقته الغامضة فقد كان وفق المسمى الوظيفى هو ضابط الاتصال بين مصر وأمريكا أو بين أجهزة الأمن فى البلدين، ولهذا كانت العلاقات إلى حد ما متوازنة حتى بدت مصر منبطحة أمام السفارة والسفير وتم ضبط الوريث متسللا للبيت الأبيض بصحبة السفير المصرى للقاء بوش الابن، وكان يمكن أن يظل اللقاء سرًا لولا أن لمحته مراسلة الجزيرة، أحزاب هذا المثال لكى تعرف أن هناك أسرارًا مذهلة فى الكواليس لا تزال فى عهده مديرى المكاتب، وأظن أن كل الأسرار عند زكريا عزمى، الذى كان رئيسًا للديوان وكان صاحبًا لمبارك فى ظلة وهو أكثر شخص الآن يعرف حقيقة ما حدث وخاصة فيما يتعلق بالأموال المهربة والأموال الموجودة هنا تحت لافتات جهنمية لأن زكريا عزمى كان هو المسمار الذى يعقد الصفقات مع الجميع باسم سيده، وكما يعرف أن السيد يمكن أن يقع فى فخاخ عبده، وعندما فتح محمود جبرة مدير عام مكتب مبارك فمه وبدأ فى الكلام انفتحت مغارة على بابا ويكفى أن تعرف أن الخطوات التنفيذية لمشروع التوريث بدأ رسميا وعلميا عام 97 عندما بدأ مكتب مبارك بعد نسختين من التقارير السرية اليومية وأخرى للرئيس والثانية لابنه وعند الرجل روايات حقيقية عن عملية صناعة رئيس جمهورية وكيف تحول مبارك من ضابط ملتزم إلى فرعون.. شلة صفوت وعزمى وسرور ولن يمكن معرفة ما حدث خلال الثلاثين عامًا الماضية بدون معرفة ما حدث فى مكاتب فتحى سرور وصفوت الشريف والجنزورى وعبيد ونظيف، فقد كان مدبرو هذه المكاتب هم القوى الخفية التى تتحكم فى مقدرات البلد، ويكفى أن شخصًا مثل يسرى الشيخ، مدير مكتب سرور، وخلال عقدين من الزمان كان هو الأمر الناهى للأعضاء فى مجلس الشعب والوزراء وكثير من رؤساء الهيئات لدرجة أنه تم استدعاء زوجته باتجاه الكسب غير المشروع لسؤالها عن الفيلات والأراضى الزراعية فى القاهرة وشرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالي. وعندما جاء عصام رئيسًا للوزراء أقال اللواء أبو طالب مدير مكتب نظيف، الذى استمر سنوات فوق السن وبادر نظيف بتعيين اللواء محمود داوود الدمرداش مديرا لمكتبه وكان الرجل رئيسًا لهيئة الموانئ ورئيسًا لشركة الاتحاد العربى السوبر حيث تطورت علاقاته مع شرف منذ أن كان وزيرًا للنقل والمواصلات وأعرف أن تفاصيل وزارة شرف عند هذا الرجل.. والغريب أنهم يقولون إن ناصر عوف عضو أمانة السياسات وفاروق حسنى هو مدير مكتب الجنزورى وأنه شارك بفاعلية فى تشكيل الحكومة الحالية، والغريب أن كل من عمل مع مبارك وخاصة فمن اصطفاهم وأغرق عليهم وسكت على فسادهم تخلو عنه وفضحوه بسرعة لم تكن متوقعة على عكس الرجال الذين عملوا مع السادات وعبد الناصر، وكنت قد التقيت مع فوزى عبد الحافظ الذى رافق السادات خلال عمرة وحتى لحظة اغتياله له وكان مديرًا لمكتبه سواء فى مجلس الأمة أو فى الرئاسة وعندما "رحت" أسأله قال لى اسأل كبار السفارة والمفكرين عنه ولن يعرف المصريون قيمة السادات إلا بعد سنوات وقد صدق ويقال إن عبد الحافظ لم يكن يحب أو يحترم مبارك وكان يعامله على أنه موظف فى مكتب مبارك وكذلك اللواء طه زكى مدير مكتب السادات، وهو الذى كشف تسجيلات مراكز القوى فعينه السادات بجوار فوزى عبد الحافظ.. مصيبة طه أنه شاهد مبارك وهو فى أضعف لحظاته مع السادات عندما استدعى مبارك، كان الأخير كل طموحه أن يصبح محافظاً أو سفيرا وبعد حلفه اليمين الدستورية منحه 5 آلاف جنيه لكى يشترى ملابس تليق بمنصب نائب الرئيس فلم يتسنى له ذلك وظل رجال السادات يعرفون للرجل فضله وذكاءه والأمر نفسه لرجال عبد الناصر شرف مدير مكتبه ووزير شئون الرئاسة ظل يتصدى بالدفاع والمنطق والمستندات التى تبرئ ساحة عبد الناصر، وكان الرجل منذ البداية مخلصًا لناصر حتى أن البعض اتهمه أنه أوشى بشقيقته وفاء الناصر وللثورة ونفس الأمر مع محمود الجيار صديق مدير مكتب عبد الناصر الذى كان مسئولا عن تقارير الرأى العام ومدير مكتب الرئيس للاتحاد القومى وكتب الجيار مذكراته التى تتصف ناصر حيًا ولا ننسى أن الأقدار فى مصر جعلته كثيرا من مديرى المكاتب رؤساء جمهوريات قتل عبد الناصر نفسه الذى كان مديرًا لمكتب محمد نجيب أو رؤساء وزراء مثل على صبرى وكمال الجنزورى حيث كان الأخير مديرًا لمكتب إسماعيل صبرى عبد الله وعمر سليمان مدير مكتب جمال حماد. والمهم أن موقع مدير المكتب فى التاريخ المصرى له من الأهمية ما يستدعى الباحثون لفتح صفحاتهم فقد ساهموا بقصد أو بغير قصد فى صناعة تاريخ هذا البلد مثل مجموعة المشير عبد الحكيم عامر ومديرى مكاتبه فى النكسة والوحدة مع سوريا والحرب فى اليمن، ولهؤلاء القدرة على فلترة وتحرير ما يعرض على الرئيس أو المسئول من تقارير وأوراق، وبالتالى التحكم غير المباشر فى قرارات الرئيس أو المسئول وفى معظم الأحوال يصبح هؤلاء مراكز القوى والمتحكمين الفعليين فى الحاكم والرعية وتلك قصة أخرى من روايات الشعب المصرى. واحد من الفلول كان عضوًا فى لجنة سياسات الوريث وأحد كتبة التقارير فى زملائه، سافر مراسلا فى إحدى العواصم المهمة، كان مصدره الوحيد القنصل وهو لمن لا يعلم رجل المخابرات، حين عاد واستمرت علاقاته بالأجهزة الأمنية كان هو الأعلى صوتا وتزايد حتى على منافسيه من أعضاء لجنة السياسيات، قبل الثورة بيوم سافر لشرم الشيخ مقيما عند صديقه صاحب القرية السياحية، ومن هناك كان يترقب، ومنها عاد لقريته فى صعيد مصر مقيما أربعين ليلة بجوار والدته التى أصابها الوهن، وعندما استقرت الأوضاع عاد للميدان رأساً ليشكل حزبا، غير أن بعض منافسيه فضحوا أمره فذهب يحتمى بالنجم المهاجر متحدثا باسمه بمنطق من جاور السعيد يسعد، ويحار المرء فى أمره فهو مع الناصريين والماركسيين أشد من ماركس ومع الإسلاميين أطهر من سيد قطب ومع الفلول أرق من أحمد عز ، هو باختصار واحد من شلة الفساد الإعلامى التى نشأت فى أحضان الوريث ورجال الأعمال. عندما يصبح الثائر موظفًا معظم الثوار الشرفاء انصرفوا للبناء ويستحى الواحد منهم أن يثرثر حتى مع أقرب الناس إليه على ما قدمه وأنه كان مشروع شهيد، وأعرف الكثيرين من هؤلاء الشرفاء يتوارون من الناس خجلا مما يرتكب من جرائم باسم الثورة، وأظن أن ما يفعله بعض الثوار الآن هو أشد خطرا وضررا ممن تآمروا على مصر سواء قبل 25 يناير أو بعدها، بعضهم لا يستخدمون حواسهم، وأهمل بعضهم ولم يعد يستخدم أذنيه للاستماع، واستطالت ألسنتهم، وكادت أذنيهم تختفى بحكم أن العضو الذى لا يستخدم يضمر، منهم المتحمس البرىء ومنهم أحادى الفكر العصبى المتوتر المتشنج يعطى من فمه ما لا يرضى لأذنيه أن تسمعه، بمجرد أن تناقشه يبدأ فى سرد الاتهامات التى باتت محفوظة، ومن كثرة استخدامها فى غير موضعها باتت مبتذلة، فكل من يستخدم عقله هو جبان ومتخاذل ومن بقايا الفلول، هناك تهم محفوظة، بأنك لم تكن فى الميدان أو أن جدتك التقت يوما سوزان مبارك فى إحدى الجمعيات، أو أنك مددت يدك يوما للسلام على أحمد عز أو سرور أو الشريف، أو أنك كنت تتعمد الوصول لمقر عملك بالمرور يوميًا من أمام الحزب الوطنى، أو أنك تعمل بالأهرام الذى كان يرأس تحريره أسامة سرايا، ومجلس إدارته برئاسة عبد المنعم سعيد وهم أعضاء لجنة السياسات أو أن شقيقك اسمه حسن أو زوجتك اسمها سوزان، وهكذا بدلا من أن تدير حوارا للمستقبل، يجبرك على الدفاع، وتلك خطط اليسار القديم فى الجدل يجذبك على ملعبه، ويترك الموضوع الرئيسى ليجعلك تائها فى حوارى النميمة .. هم مثلا لا يستطيعون نقد الإسلام فيكيلون الاتهامات للإسلاميين، وبعض المحترفين منهم حيث تسألهم لماذا مثلا هذه المظاهرات، خاصة من الممثلين يقولون هذه خطوة استباقية لكى نذبح القطة للإسلاميين فى البرلمان، انظر على وجود جورج إسحاق أو صبى يوسف شاهين أو إعلام ساويرس وهم يضعون المنكر فى أفواه مناظيرهم، فإذا ما كان المحاور ذكيا وبدا فى محاصرتهم، يهرفون بموضوعات شتى بعيدا عن الموضوع الرئيسى، مثل الرجل الذى قيل له إن زوجته فى خلوة مع كهربائى فرد هو لا يفهم فى الكهرباء. بعد الثورة بأيام ذهب ثلاثة من أعضاء المجلس العسكرى لقناة دريم واستضافتهم مذيعة العاشرة مساء، الغزالى حرب كواحد من الثوار وكانت جلسته فى وجه الجنرالات مثيرة ومستفزة، خصمت منه 50% قبل أن يتكلم وما أن بدأ فى الكلام حتى فقد ال 50% الباقية، وكل يوم كان يظهر فيه واحد من غلاة الثوار كانت الثورة للأسف تفقد كثيرًا من المؤيدين. واحد آخر من ثوار حزب التجمع لا يظهر فى أى برنامج إلا مضجعا، ولأنه حافظ وليس فاهمًا ففى كل برنامج يظهر فيه يردد نفس المطالب، هو يريد العدالة الاجتماعية ولكن المجلس العسكرى فشل فيها وعندما تحاوره أنها تحتاج إلى وقت وخطط وبرامج وصبر ومنظومة تشريعية، يقول لك ولكن ماركس ولينين. ثائر آخر فشل سنوات فى دراسته فى باريس فبهر بالثورة الفرنسية ولا يعرف سوى المقاصل والمحاكم الثورية وجز رقاب الفلول، أما المتأمركون وهم كثر فلا يريدون الاعتراف بخصوصية هذا البلد وأن النظريات والمعادلات السياسية التى درسوها لم تصلح حتى من حال المجتمع الأمريكى، لكل هذا فإن الديكتاتورية الثورية وتنظيم ما بعد يناير يشكلان وقودا لآلات الفلول التى تعمل فى الخفاء ولا نرى منها سوى الدخان ويهمسون فى أذن من حولهم هذه هى نتائج الثورة وبالطبع أصبح هناك من يصدقهم، والفقراء والغلابة هم من يدفعون الثمن، وهم يرون أن الكعكة اقتسمها السياسيون والانتهازيون، وأنا أظن أن الثورة المضادة يعاد تصنيعها بهمة وبنشاط كثير من الثوار الانتهازيين، وهم يريدون استمرار الحالة الثورية لأن استمرار وجودهم مرتبط بالتوتر والقلق والفوضى، وهم كالدواب أو أشر أو كالحشرات لا يستطيعون الحياة إلا فى البرك والمستنقعات. المهم أن الأمر انتهى إلى أن الناس لم تعد تصدق السياسيين الأشراف منهم قبل السفهاء ماداموا يشاهدون حملات السب والتشويه والتخوين والتكفير كل ليلة فى سهرات التوك شو وهم يرون أيضا التشكيك كل ذمة لا ترضى أن تنافق فلول الميدان من البلطجة والباعة الجائلين ووكلاء الثوار المستأجرين، والآن انقسم المصريون وتشرذموا، الثلث يسب الثلثين وثلث ضد الثلث الأول، وهناك ثلث لا علاقة له بهذا أو ذاك، سيشاهد الثلثين ولا يحترم أيهما، المهم أن كل هذا أمر طبيعى فى مرحلة المخاض والولادة، ولكن بعد مرور عام لابد من نظام للثوار ولا سبيل لذلك إلا بحرمانهم من الظهور الليلى فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فلابد من تحديد إقامتهم الفضائية ليستريحوا ويريحونا من طلتهم البهية التى إن استمرت فلن نفاجئ بمظاهرات مليونية تطالب بعودة مبارك.