يضع المكتبيين "المُشرف" على رسائل الماجستير والدكتوراة في مرتبة جليلة، حيث يضعونه ضمن التصنيف بقواعد البيانات في حقل "مؤلف مشارك". والسؤال: هل يتحمل المشرف هذه المسؤولية بكفاءة وقدرة على العطاء للطالب وإخراج رسالته طيبة مُعينًا له موجهًا ومرشدًا على إنجاز مشروعه العلمي الذي ستُصدق عليه جامعة علمية ؟ الأمر يختلف من مشرف إلى آخر، وقد تجد منهم هو الْمَعين الذي لا ينضب من الأخلاق قبل العلم، ويجتمع عند بعضهم الاثنان معًا، فيخرج طالب الدراسات العليا خلوقًا باحثًا طيبًا، ينتظر منه الكثير من الأبداعات في مجال تخصصه، لا سيما أن صلاته بمشرفه قد تدوم حتى بعد انتهائه من الدراسات العليا يستشيره ويستنير في ضوء علمه وخبرته، ويظل مشرفه أبًا روحيًا قائما على توجيه هذا الطالب الذي أعده ليخرج إلى النور قادرًا على غوض غمار البحث العلمي. وهنالك نماذج تختلف كل الاختلاف عما ذُكر، فيظهر تقاعسه وتخاذله وتباطأه الغير مبرر نحو الطالب الذي تكبد المشاق في جمع المادة والكتابة ليقرأها المشرف دونما تعب (على طبق من فضة كما يقولون)، ولا يجتهد مشرفه لتقديم الجديد. جدير بالذكر أن أكثر الباحثين المهرة متواجدين خارج أسوار الجامعات، التي يقبع فيها قلة قليلة منهميجتهدون لإخراج جيل من الباحثين قادر على تحمل مسؤولين البحث وإيجاد الجديد في حقل دراستهم. ويلتفت الكثيرين إلى مكانة المشرف حين مناقشة طالب الدراسات العليا في رسالته، وهل عاون الطالب وسانده ودافع عنه لأنه كما ذكرنا يعده الكثيرون مؤلفًا مشاركًا، إذ إنه مسؤولا عن مستوى الطالب الذي خضع لإشرافه، وأيضا مسؤولا عن مستوى الرسالة العلمية التي وافق على تقديمها للمناقشة بهذه الحالة من مستوى التقدم أو التأخر، أو كلاهما معًا، فليس هنالك عملا علميًا كاملا. ومن المعلوم أن المشرف على الرسالة حين المناقشة هو رئيس جلسة مناقشة الطالب، ولا يناقش الطالب، بل يترك أعضاء لجنة المناقشة لكي يقوموا بمناقشة الطالب، ويترك الطالب لهم ليسألونه ويناقشونه، وتتبين في ضوء المناقشة أخطاء عدة: فنية وعلمية، وبعد معاناة يمنح الطالب الدرجة .. وهنالك من يمنح درجة الامتياز رغم الكم الهائل من الأخطاء الذي خرج من المناقشة، وهنالك من يضع للطالب تقديره وفق ما تمت فيه المناقشة. ولكن السؤال: هل المشرف لم يرى هذه الأخطاء التي أبداها المشرفين خلال إشرافه على طالب الدراسات العليا ؟ إنه اللغز حقًا... وأقولليس مُدافعًا عن المُشرف فليس كل الضد يُعني عدم الإنصاف: فقد تبين لي أن "المشرف" أمام الموضوع العلمي "الجديد" الذي اختاره طالب الدراسات العليا، هو في حد ذاته "طالبًا" من حيث "الدراية" وكذا الإحاطة وليس هنالك إنسانًا مُحيطًا بكل شيء، فهو لا يعلم الكثير عن هذا الموضوع سوى عنوانه وخطته التي قدمها الطالب مع مقدمته وتمهيده له، ويظل المشرف مُنتظرًا ما الذي سيقدمه الطالب في موضوعه ليقف عليه بالدرس والفحص والتحليل (موجهًا ومرشدًا) وفق استطاعته العلمية التي ستختلف بلا شك عن غيره (خاصة المناقشين) الذين سيبرعون في كشف الأخطاء وفق رؤيتهم، فيصير الأمر بينهم، على حساب الطالب، الذي اتفقت رؤية مشرفه مع أوضاع رسالته الأخيرة التي قدمت للمناقشة. فالمشرف هو في حد ذاته حين المناقشة يقع مقامه فعليًا مقام الطالب في الدراية حول موضوعه، وهنا يجب أن تتجلى مهمة الطالب الذي هو مطلوبا منه الدفاع عن نفسه دونما تباطأ في الرد على تساؤلات المناقشين، ومناقشتهم مهما طالت الأمور، ولا يتباطأ مُعتبرًا أنه وقت وسيمر ثم يمنح الدرجة. وإنه على الطالب بالفعل أن يعي أنه هو المسؤول أولا وأخيرًا عن رسالته العلمية التي ارتضى بشخصه تقديمها للمناقشة ولا يلتفت إلى المشرف، بل عليه أن يقدم جهده الكبير في الدراسة والبحث والفحص والتحليل ليقرر الجميع القاعدة الشهيرة "البحث هو الباحث" وليس المشرف.وفقنا الله جميعًا
محمد جمعة عبدالهادي موسى باحث ماجستير، كلية الآداب– جامعة القاهرة