استضافت جمعية الاتحاد الإسلامى والمنتدى للتعريف بالإسلام فى لبنان (القسّيس المهتدى) الداعية يوسف إستس فى سلسلة محاضرات.. شملت محافظات لبنان كافّة.. وقد توافد الناس إلى المحاضرات بأعداد كبيرة جداً.. وأسلم عدد من الإخوة والأخوات بفضل الله جل وعلا.. كما طالب العديد من غير المسلمين بالتواصل مع الداعية المهتدى للتحاور معه فى أمور الدِّين.. لفتنى هذا الحدث وهذا الإقبال.. وساقنى إلى تساؤل طرحتُهُ فى صفحتى فى شبكة التواصل الاجتماعية-الفيس بوك- حيث سألت: "ما الذى جعل هذه الجموع تتوافد إلى محاضرات الداعية يوسف إستس.. مع أنه لم يأتِ بشىء جديد؟! ما الذى يفتش عنه هؤلاء ولم يجدوه فى دعاتنا فى لبنان؟! سؤال يستحق التفتيش عن رد منطقى!".. كنتُ فى قرارة نفسى أعتقد أن صدق هذا الداعية وحرقته هما أساسان لقبول الناس له.. إضافة إلى أنه أمريكى أسلم وجهه لله جل وعلا بعد أن كان متعمّقاً باللاهوت والديانة النصرانية.. ما جعل منه شخصية مميزة تجوب الشرق والغرب لتدلّ الحيارى على رب الأكوان.. فى حين ركن معظم المسلمين للدَعَة وانساقوا وراء حضارة الغرب الزائفة! وتتالت الردود التى أسوقها بدورى فى هذا المقال لملامسة هذه الظاهرة.. حيث إن قبول الناس للدعاة الغربيين والمهتدين من النصرانية على وجه الخصوص أكبر من قبولهم لدعاتنا المحليين مهما كانوا يتمتعون بعلمٍ وإخلاصٍ وعمل! أثار البعض نقطة الإخلاص فى القول والعمل.. ونقطة تقوى الله جل وعلا.. فحينها "يتقبّل الله عز وجل من العبد.. ويُلقى محبته فى قلوب البشر الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه".. ولكن ألا يوجد بين دعاتنا من هو صادق مخلص يتقى الله جل وعلا؟ لا بد أن هناك نقاط أُخرى إضافة إلى هذه النقاط! وتثير أخت نقطة أُخرى.. وهى أنّ نسأل مجرِّباً ولا نسأل طبيباً! وأنّ "زمّار الحى لا يُطرِب.. فقد لا يكون السبب هو النقص لَدَيْنا لكنه الشغف بالمجهول والبعيد عنا".. وعرّجت أختٌ اهتدت منذ سنوات للإسلام على نقطة مهمة فقالت: "أظن أن المسلم يحب أن يسمع قصة إسلام غير المسلم وخاصة إن كان قّساً متفقها فى كفره.. فهذا يقوّى إيمانه بدينه ويجعله يحاسب نفسه على تقصيره.. والشيخ يوسف إستس هو أحد هؤلاء المسلمين الجدد ولكن الله زاده علماً وأسلم على يديه الكثيرون بفضل الله تعالى".. وقد استوقفنى تعليق شفوى.. حيث قال أحدهم: "كنت أفتّش عن شىء مختلف.. عن لقاءٍ إيمانى يهزّنى حد البكاء.. فما عدت أستلذّ بالطاعة.. باتت العبادات مجرد حركات.. ليس لها أى أثر فى روحى.. وددتُ لو خرجتُ منها الآن..!" ورداً على تعليقى من أنه يوجد بدون أدنى شك دعاة صادقون عاملون هجروا دنياهم لنشر الدِّين وبالرغم من ذلك يكاد عدد من يحضر دروسهم لا يتجاوز العشرات .. إن حضروا!.. قال الأخ بلال: "أنا لا أنكر أن هناك الكثير من الدعاة ممّن لا يحضر دروسهم إلا القليل القليل لكن هذه مشكلة أُخرى.. أنا عشت فى طرابلس وتربيت فيها ثم انتقلت إلى بيروت وتعلمت فيها وأخذت قسطاً آخر من العلم والمعرفة.. ثم انتقلت إلى شمال أمريكا وعشت فى أكثر من مدينة فيها وعايشت المزيد من طلبة العلم.. أسأل نفسى دوماً هذا السؤال: لماذا رأينا هذا الشخص ينال قسطاً كبيراً من القبول وغيره لا يعرفون؟ ليس عندى جواب لهذا ولكن الجواب يتوزّع على أكثر من جهة: أولاً.. هناك أسباب تتعلق بصاحب الدعوة نفسه حيث يختار عناوين معينة ويستخدم أسلوباً معيناً (لا يجذب جماهير العصر الحالي).. لا أقول أنه يجب على الجميع اختيار أساليب شعبوية ولكن لا بد من فهم الجمهور الذى يتوجّه له الخطاب. ثانياً.. الأمر متعلق بالبيئة التى يظهر فيها طالب العلم أو صاحب العلم.. هناك بيئات حاضنة للدعاة وبيئات تنفر من الدعوة.. هناك بيئات تحب الخطاب الفقهى وبيئات تفضل الخطاب الوعظى.. قد يظهر صاحب العلم فى بيئة لا تناسب ما يقدمه.. ثالثاً.. استخدام الوسائط للوصول للجمهور.. لا بد من التأكيد على أن الشباب المعاصر لا يقصدون مجالس العلم بشكل جيد ولذلك لا بد من الوصول إليهم حيث هم إن كان الشخص يريد فعلاً أن يوصل كلمته.. رابعاً.. المشكلة هى فى المؤسسات الدينية التى ما زالت تُخرِّج الشيوخ بنفس الطريقة التى اعتمدتها من مئات السنين.. أليس محرجاً فى هذا العصر أن يتخرج الشيوخ بدون أن يقرأوا كلمة واحدة بغير لغتهم الأم؟ أليس مخزياً أن يتكلم الشيخ عن مسائل فقهية جامدة فى خطبته بينما الشارع يغلى بسبب مناظر الدم والظلم؟ أليس عيباً أن تتكلم المؤسسة الدينية فى وادى السلطة والناس كلها تغلى طلباً لرفض الحكام؟ بالنسبة للدعاة الغربيين والشرقيين الذين برزوا على الفضائيات وعلى الإنترنت هناك نوعان منهم: نوع يختار مواضيع معينة ويتحرّى الدقة فى كل ما يقدمه ولكن عنده أسلوب مشوق جداً.. ونوع آخر يقدّم ما يطلبه المستمعون وهؤلاء كثر أيضاً.. والمجموعتان استطاعتا أن تبرزا على السطح.. ولكن الرحيق المختوم يبقى.. والزبد يذهب..!" وبعد كل ما سقته فى هذا المقال.. آمل أن يعمد دعاتنا الأفاضل إلى تجديد الخطاب الدعوى وينظروا الشريحة التى يتوجّهون إليها ليصيغوا الأسلوب الأمثل للوصول إلى قلوبهم دون زعزعة فى الثوابت ولا تمييع للأحكام!