يعد والت ويتمان (1819-1892) أشهر الشعراء في التاريخ الأميركي الحديث، حيث كتب ديواناً واحداً أو سفراً شعرياً كبيراً هو "أوراق العشب"، نشره في العام 1855 في 95 صفحة فقط، ويضمّ 12 قصيدة. ثم واصل ويتمان إعادة الكتابة والإضافات إلى الديوان على مدى 37 عاماً ومن خلال 9 طبعات جعلت "أوراق العشب" السفر الأكبر للحداثة الشعرية، وإنجيل قصيدة النثر العالمية. ورغم شهرة ويتمان الطاغية وسِفْره الكبير، فإن المكتبة العربية لم تحظَ بترجمة كاملة لرائد الحداثة الشعرية الأميركية، فقد ترجم الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف جزءاً من الديوان، وصدر مؤخراً عن هيئة قصور الثقافة المصرية ضمن سلسلة ال 100 كتاب التي يشرف عليها الشاعر المصري والمترجم المعروف رفعت سلام. ثم قرّر سلام التصدي لترجمة ويتمان وأوراق عشبه كاملة في طبعة كبيرة يصل عدد صفحاتها إلى 1200 صفحة، بمقدمتين إحداهما للمترجم والأخرى لأحد دارسي ويتمان من النقاد الأميركيين. سلام الذي قدّم للمكتبة العربية من قبل أشعار بودلير ورامبو وكفافيس، يستعد لطبع الكتاب الجديد بعد أسابيع من الآن بعد أن انتهى من مراجعته، وخص "هافينجتون بوست عربي" بهذا الحوار القصير عن ترجمته الكاملة ل “أوراق العشب” في السنوات التي أعقبت ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وتعرّض فيها لسجن ابنته الناشطة المعروفة يارا لمدة عامين، حيث كان الشعر، وويتمان تحديداً، أحد أسلحته لمواجهة عنف اللحظات القاسية خلال حبس الابنة في قضية التظاهر أمام قصر الاتحادية مقرّ الرئيس المصري، احتجاجا على قانون التظاهر. يقول سلام، “سبق أن قدمت - في السنوات الأخيرة - الأعمال الشعرية الكاملة لكفافيس، ورامبو، وبودلير، كمؤسسين للحداثة، وكانت أعمال ويتمان تشغلني منذ التسعينيات، دون أن تسمح لي الظروف بالعكوف عليها”. ويضيف “مع قيام ثورة يناير/كانون الثاني، وما تلاها من أحداث لاهثة، تفتت الزمن بين أصابعي. وكان لا بدّ من مواجهة ذلك بعمل رصين أواجه به التشتت والبعثرة. وما شجعني أن الأعمال الشعرية الكاملة التي سبق لي إصدارها تم تلقيها بما يغسل عني العناء والمكابدة في إنجازها، فضلاً عن ضرورة تقديم التجربة الشعرية الأهم في شعر اللغة الإنكليزية (الأميركي والبريطاني)، إضافة إلى نظائرها في الشعر الفرنسي واليوناني”. سلام وصف مغامرته هذه قائلاً، “الحق أنها تجربة باهظة، تقصم الظهر. فإنجازها بشكل لائق بحاجة إلى ظروف استقرار حياتي وذهني ملائمة، وقدرات ذاتية مكثفة، مضمونة لبضع سنوات متواصلة، إلى حين إنجاز العمل، وهو ما لا يتوفر دائماً للأدباء والمثقفين، وكان عملي على (أوراق العشب) تحدياً ذاتيّاً وعناداً مني للظروف المناقضة لهذه الشروط”. وتابع “بعد سنوات من الأشغال الشاقة، لن تجد المقابل اللائق، أو حتى شبه اللائق، فعند نشري الأعمال الشعرية الكاملة لأحد الشعراء الكبار هؤلاء، أقامت الهيئة الحكومية التي نشرت العمل حفل توقيع مع السفارة الأجنبية المعنية. وأنفقت على الحفل بسخاء واضح، ليخرج بصورة مناسبة. ولابد أن الحفل - ومكافآت الموظفين - قد تجاوزت ال 50 ألف جنيه. أما المترجم، فلم ينله سوى ثلاثة آلاف جنيه على عمل استمر لسنوات، أي بما يساوي 750 جنيهاً سنويّاً! أي أقل من أجر شهر واحد لأي فرّاش في الهيئة المذكورة”.