لم يعد مقبولاً بعد اليوم أن يتصدّر المشهد الإعلامى مدعو الثقافة والنخبوية، الذين يجاهدون لتغيير المجتمع جهادًا لذيذًا بعيدًا عن همومه. هؤلاء لم يعد مقبولاً منهم بعد سلسلة خياباتهم المريرة، ممارسة فرض الوصاية على مجتمعنا المصرى، وفى القلب منه، القطاع الكبير، الذى سخروا منه كثيرًا ووصموه تارة بحزب الكنبة، وتارة أخرى بالأغلبية الصامتة التى عوّلوا عليها لإحداث التغيير الجذرى؛حتى إذا ما خرجت هذه الأغلبية الكاسحة، معلنة، ومؤيّدة الانحياز إلى المشروع الإسلامي؛ هبّت حالة من الفزع بينهم؛ فرأيناهم، ينصبون سرادقات العزاء، ويقيمون مآتم اللطم والعويل؛ وتعلن أقلامهم الحداد، فتغيرّ فضائيات الفلول خريطة برامجها؛ للتحذير من هيمنة طيور الظلام على مجتمع الاستنارة المخملى! (عواجيز الفرح)، وليس مهمًا أن يكونوا طاعنى السن؛ بقدر ما هم عواجيز الأمل فى الغد الكريم، وعواجيز.. النجاح.. الذين يهدرون الوقت فيما لا طائل منه، ويفتعلون الخناقات، ويقيمون المناحات من أجل تكسير المجاديف؛ وتثبيط الهمم؛ والانشغال الدائم بإطلاق الأحكام المطلقة دونما تمحيص أو تدقيق- دشّن هؤلاء منذ الوهلة الأولى للانتخابات حملة إعلامية موجّهة للناخبين من أجل عدم التصويت إلى المتأسلمين، المتطرفين، فزّاعة المخلوع..! عاش عواجيز الفرح وهْم مَنْ يفترض فيهم أنهم "قادة الرأى المستنير"، و"قاطرة الوعى" و"ضمير الأمة" و"ملهمو التغيير"؛ عاثوا فسادًا فى حظيرة الوزير المدلّل؛ لم يستوعبوا درس استفتاء مارس الماضي؛ حينما خرج الشعب عن بكرة أبيه، رافضًا وصايتهم، وحملاتهم الإعلامية، والتعبوية الممنهجة على فضائيات الفلول وصحفهم؛ ولم يكادوا يفيقون من صدمة قطار الثورة، الذى فاجأهم، وتجاوز مشروعهم الهش ونخبويتهم الوادعة؛ وداس فى طريقه الثورى، معظم أدبياتهم وخطاباتهم الخانعة، المستكينة للمستبد؛ إلا وأثبت لهم الشعب المصرى مرة أنه لم يكن يومًا مغيبًا عن الواقع السياسى للوطن، وأنه شعب واعٍ، وإن اتُّهم بالأميّة؛ وقارئ جيد للخريطة الانتخابية، وإن وصموه بالجهل! ولديه ملكة وقدرة كبيرة على الفرز بين الغث والسمين، ويرفض أن يكون جموعًا من القطيع، يسيّره بعض(العالة)، الذين أبوا إلا أن يكونوا (آفات) الأمل الإنسانى فى أبهى صوره..؛ و(عاهات) جسم وطننا السليم لمجتمعه القوى والفتى! أصابت صدمة اكتساح التيار المنظَّم للجولة الأولى، والثانية للانتخابات النيابية؛ هؤلاء بالرعب، ما أفقدهم القدرة على التحليل السليم؛ فتلعثم اللسان؛ وتعطّلت لغة الكلام إلا من التشكيك؛ والتجريح؛ عبر استدعاء الأبعاد الطائفية، وإشعال حرائق طائفية، تهدد وحدتنا الوطنية، بالترويج لثنائية الكنيسة والإسلاميين؛ واستعداء الجهة التى تدير شئون البلاد؛ لاستنساخ التجرية الجزائرية، لضرورات الوطن، بل مارسوا دور الطابور الخامس عبر طلب الحماية والاستقواء بالولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا..! عواجيز الفرح لم يستوعبوا نتائج انتخابات الجولة الأولى، ولم يقرأوا دلالات تصويت الناخب المصرى، الذى اتُهم بالجهل والعجز، والأمية؛ فبالرغم من اكتساح قائمة الإسلاميين بنسب متفاوتة ومرتفعة فى دائرة ما؛ نجد تصويتًا مغايرًا على المقعد الفردى(عمروحمزاوى نموذجًا)..؛ لأنهم تكلّسوا إلا من الغمز واللمز، وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وأنهم لا يخطئون؛ بينما الذى لا يخطئ، هو الميت، الذى لا يعمل، ومَنْ لا يعمل، ليس طرفًا فى أية قضية ذات شأن بحياتنا الاجتماعية، فما بالنا بالسياسية منها..! قال الشعب المصرى كلمته، فى الجولة الأولى من الانتخابات، ورفض الظواهر الصوتية المتسلقة، كما رفض اللصوص الذين لا يتعايشون سوى على هموم البُسطاء، والأبرياء، وسيؤكّد الشعب مستقبلاً كلمته، ساعيًا إلى سحق جوقة المتسلقين، والمنتفعين، والمحرضين.. عواجيز كل فرح، وكل مأتم..، قائلين لهم بملء فيهم : انتهى الدرس عواجيزَ الفرح ..! [email protected]