وصفت بعض وسائل الإعلام، الحملة التى قامت بها الدولة للكشف عن حجم ومصادر الأموال التى تلقتها المنظمات والجمعيات المسماة بالحقوقية والأهلية المتمولة من الخارج، بأنها "حملة غير مسبوقة" جاءت فى محلها، فمنذ عهد الرئيس المتنحى- طوعًا أو كرهًا- حسنى مبارك، لم نسمع عن مثل هذه الحملات القانونية والمشروعة- رغم صوت المتمولين العالى والزعيق غير المبرر فى الصحف وفى الفضائيات- لم نسمع عن حملة أو نرى كشفًا عن مصدر تمويل هذه المؤسسات والمنظمات، كأن هناك اتفاقا مبطنا بين حسنى مبارك وبطانته ومنافقيه وبين مجموعة المتمولين من الخارج، أو كأن كل واحد منهم يمسك زلة على الآخر، فلا يستطيع- ببطحته الظاهرة أو الخفية مؤقتًا عن الناس- أن ينازعه إلا بمقدار وبشعرة معاوية، أما يوم الثورة فقد اختلف عن أمس حسنى مبارك، فالحملة التى تقودها الدولة ممثلة بالقضاء مسلحة بالقانون وبالمشروعية، ومسلحة بالرأى العام الذى يريد أن يعرف الصالح من الطالح، ومن يريد مصلحة البلد ومن يريد خرابه من أجل آلاف أو ملايين الدولارات الأمريكية، هذه الدولارات التى رفعت أقوامًا من العدم وأنزلتهم منازل الأغنياء وأصحاب الفيلل والشقق الفاخرة، مثلما حدث مع على بابا بعد الضنى والعذاب فلبس الحرير وأصبح "شهبندر تجار عصره". الحملة بالرغم من تأخرها كثيرًا؛ إلا أنها جريئة ومطلوبة، بعد أن علت الأصوات بوجود متمولين ومنظمات ليست فوق مستوى الشبهات، ووجود أموال بملايين الدولارات دخلت على حين غفلة من المجلس العسكرى ومن الأمن المصرى، وعلى المتضرر من الحملة إذا كان له حق اللجوء إلى القضاء، وإذا كان بريئاً براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فلماذا يخاف ومن أى شىء يخشى؟ هل يخاف من هذا الإجراء الطبيعى الذى يتم فى أى دولة تحترم نفسها ويحترمها الكبير والصغير من أبنائها؟! أم أن الشفافية التى ينادى بها أصحاب هذه المنظمات والجمعيات توجه فقط للحكومة وللمجلس العسكرى وللإخوان وللسلفيين، أما هؤلاء فهم فوق الشفافية وفوق القانون المصرى الذى نعلم ويعلم هؤلاء أن به إجراءات ومعايير وشروطاً لتلقى الأموال من الخارج مثله مثل كل قوانين العالم. خشية بعض المتمولين من حملة الشفافية تنم عن أن هناك بطحات كثيرة على الرؤوس ستظهر تباعًا للشعب، وسيعرف من خلال التحقيقات أين ذهبت هذه الأموال، وأنها لم توجه إلى مسارها الطبيعى، بل انحرف هذا المسار عن اتجاهه ليأخذ اتجاهًا ضد الدولة وضد مصالحها، ويصب جزءًا منه فى "نغنغة" هؤلاء المتمولين والإنفاق عليهم ببذخ لم يتعودوا عليه من قبل جزاء ما يقومون به من خدمات جليلة لأصحاب الأيادى البيضاء عليهم والسوداء على الوطن؟! والمثل البلدى يقول: "الزمار لا يخبئ ذقنه"، فلماذا تخشون الشفافية وإظهار حجم التمويلات ومصادر إنفاقها إلا إذا كان هناك ما تخافون منه؟