قال الكاتب والصحفى السورى أنور القاسم، فى مقال له بصحيفة "القدس العربى" إنه تابع منذ يومين برنامجا فنيا رائعا على القناة المصرية يتحدث عمن وصفها الفنانة المصرية من أصل سوري أسمهان، التي ناضلت طوال عمرها القصير (32 عاماً) من أجل موطنها الأصلي. فآمال الأطرش، وهو اسم أسمهان، التي ولدت على ظهر باخرة مبحرة من الأناضول أثناء عودة أسرتها إلى جبل العرب في 25 /نوفمبر 1912، كانت من أهم السياسيين في وقتها على حداثة سنها. وكذلك أحيت بعض القنوات العربية واللبنانية ذكراها، لكن أغرب احتفال كان في مسلسل إذاعي مصري بعنوان «التنظيم السري»، الذي زج اسمها مع جماعة الإخوان بعد أن اتهم مؤلف البرنامج الإخواني السابق ثروت الخرباوي الجماعة بتصفيتها. الرجل الذي أصبح نجماً إعلامياً في فترة قصيرة ذهب إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» زرعوا سائقاً تابعاً لهم في «استديو مصر»، وأنه هو الذي نفذ الجريمة بتوجيه مباشر من الجماعة ومرشدها حسن البنا. فما أوسع الذمة الإعلامية للغالبية هذه الأيام بحيث ينصبون أنفسهم محققين وقضاة في قضية لم يبت بها أحد منذ 71 عاما، اللهم إلا خيالات الإعلام! السؤال السنوي التقليدي هو من قتل أسمهان؟ لتعاد الإجابات المتكررة والمتعددة، حول الحياة المثيرة والغامضة التي عاشتها، ثم تألقها الفني في زمن قصير، الذي غذّى الشعور بأن وفاتها كانت إثر عملية مدبرة بواسطة سائق السيارة، الذي اختفى بعد الحادثة، في حين ماتت أسمهان وصديقتها ماري قلادة، غرقاً داخل السيارة، التي سقطت في ترعة طوخ صباح يوم الجمعة 14 يوليو عام 1944 بعد تصويرها فيلم «غرام وانتقام»! إذا هي نظرية المؤامرة التي دفعت قبل سنوات صحيفة «اندبندنت أون صنداي» لنشر صورتها على غلاف المجلة الملحقة بها، وادعت حينها في تحقيق مطول بأن علاقة وثيقة جمعت بينها وبين المخابرات البريطانية. هناك من يتهم أجهزة المخابرات البريطانية بقتلها، وهناك من يتهم المخابرات الألمانية، التي دخلت على خط الصراع على سوريا في حينها، ولم تنج المخابرات الفرنسية أيضاً من الاتهام. وتجد من يتهم الملك فاروق لغضبه منها، وإسهامها في نشر فضائح عن والدته الملكة نازلي، بينما يحبذ مقربون مصريون منها اتهام زوجها الأول وابن عمها الأمير حسن الأطرش، الذي كان يحبها بشدة بعد أن هجرته ورحلت إلى مصر! كما لم تخل المنافسة الفنية من غمز ولمز لأم كلثوم بتدبير المؤامرة لإزاحتها من طريقها الفني، بعد أن تفوقت عليها وهمشتها. ربما يكون أيسر السيناريوهات هو أن وفاة أسمهان كانت مسألة قدرية، فالفتاة التي شغلت الشرق والغرب، قدمت خلال عمرها القصير ما لم تفعله صبية بعمرها وجمالها وصوتها من أجل بلدها.. وكم سيكون حزنها عظيما لو علمت أن بلدها، الذي تفانت لاستقلاله وقابلها عظيم فرنسا ديجول من أجل ذلك، قبل عشرات الأعوام يبيع الآن استقلاله بأبخس الأثمان.