منذ اندلاع الثورة السورية وعلى مدى عشرة أشهر كاملة أطلق بشار الأسد ونظامه أيدى زبانيته من الشبيحة وقوات الأمن للقضاء على المتظاهرين السلميين، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله تراق يوميا دماء عشرات الضحايا الأبرياء العزل من السوريين وتزهق أرواحهم لمجرد أنهم يطالبون بالعدالة والحرية والكرامة!! وبحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان وغيره من المصادر بلغ عدد شهداء الثورة السورية الموثقين (6007) حتى تاريخ (28/12/2011م) وتتحدث مصادر أخرى عن: عشرة آلاف قتيل، وخمسين ألف جريح، وعشرين ألف مفقود، وأكثر من اثنى عشر ألف لاجئ سورى، كل ذلك والجامعة العربية تعطى نظام الأسد المهلة تلو الأخرى للموافقة على خطتها لحل الأزمة السورية!! وأخيرًا وبعد نحو شهرين من المماطلة ومحاولة كسب الوقت وقَّع النظام السورى بروتوكول دخول بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، والتى تتلخص مهمتها فى تقييم التزام النظام بمبادرة الجامعة العربية التى تنص على: الوقف الفورى لإراقة الدماء، وسحب كافة قوات الجيش والدبابات والآليات العسكرية من المدن السورية، وإطلاق سراح المسجونين السياسيين، والبدء فى حوار جاد مع المعارضة. وفى تصريح لوكالة أنباء رويترز وصف الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية مهمة وفد مراقبى الجامعة فى سوريا: "بأنها ليست سهلة، وأنها الجامعة العربية ليست مؤهلة للقيام بها" وأضاف: "أن الأمر لن يستغرق أكثر من أسبوع لمعرفة مدى احترام الحكومة السورية لشروط اتفاق السلام". وأمر بدهى أنه لكى تقوم بعثة المراقبين العرب بمهمتها فى سوريا على أكمل وجه لوضع تقرير صادق، والخروج بتوصيات مُرضِية وكافية لحل الأزمة هناك فلابد أن تتمتع هذه البعثة بالشفافية والوضوح، ويجب توفير الحرية الكاملة لها وتمكينها من القيام بمعاينة أرض الواقع ومقابلة أبناء الشعب السورى بكل أريحية دون مرافقة أى مسئولين سوريين لها أثناء تجوُّلِها فى المدن السورية لرصد الوقائع، والوقوف على الحقيقة، ومراقبة تنفيذ الحكومة السورية للاتفاق المبرم مع الجامعة. لكن أن يرافق رجال النظام السورى المراقبين العرب فى تحركاتهم بدعوى حمايتهم وتسهيل مهمتهم فهذا يثير الشك فى عمل هذه البعثة، وينزع عنها المصداقية تمامًا، إذ لا جدوى من وجودها فى سوريا وهى لا تتحرك إلا بإذن من النظام وبمرافقة من أجهزة مخابراته، فمن من السوريين سيقدر على الكلام والحال كذلك؟! بل لقد قال أحد الثوار فى حمص: "إنه من المستحيل أن يتحدث أى شخص مع بعثة المراقبين العرب دون علم السلطات السورية، فليس بمقدورنا التواصل معها بحرية؛ لأن أفراد البعثة مراقبون باستمرار من قبل الشبيحة ورجال النظام، وإذا شاهدونى أتكلم معهم سيطاردوننى، وإذا أمسكوا بى سيقتلوننى لا محالة"!! فأى بعثة مراقبة هذه التى لا تتحرك إلا بإذن من تراقبهم؟! وماذا ينتظر منها أن تقدم وهى عاجزة عن مقابلة السوريين للاستماع إلى أقوالهم بحرية دون تهديد أو ضغوط؟! ومن يضمن ألا يأخذ النظام هؤلاء المراقبين لرؤية المناطق السورية المختلفة بعد إخفاء القتلى والجرحى، وإخلائها من الدبابات والآليات العسكرية، وإزالة كل آثار المجازر والاعتداءات الوحشية التى يرتكبها زبانية النظام بحق الشعب السورى الأعزل؟! ومع تواصل قتل قوات الأمن السورية لعشرات المتظاهرين العزل يوميًا رغم وجود بعثة المراقبة العربية بين ظهرانيهم لا ندرى أهؤلاء مراقبون حقًا ذهبوا لوقف سفك الدماء السورية فورًا، ورصد حقائق الوضع فى سوريا على الأرض أم أنهم سيَّاح ذهبوا بصحبة الشبيحة للتفرج على جثث الرجال والنساء والأطفال السوريين، والاستمتاع بمشاهدة دمائهم تغرق الساحات والشوارع!! * كاتب مصرى. [email protected]