مبارك استعان بالشريف وعزمى والشاذلى ومرسى بمكتب الإرشاد ومنصور بحجازى والمسلمانى والسيسى يغردا منفردا فى الرئاسة محللون: نظام السيسى يفتقد رجل الدولة.. والحاكم الفرد ينظر إلى جميع من حوله على أنهم ليسوا أهل ثقة
يعتبر منصب رئيس الجمهورية، هو المنصب الأهم والأقوى بالنسبة للدولة المصرية وبالرغم من كون المنصب وظيفة تحتاج إلى مساعدين ومستشارين إلا أن الأمر اختلف فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى وأصبح المنصب مختزلاً فى شخصه فقط، على خلاف سابقيه ففى عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك استعان بعدد من ممثليه لتمثيل مصر فى عدد من اللقاءات خارج مصر، فقد أناب فى كثير من الأحيان صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق أو كمال الشاذلى أمين تنظيم الحزب الوطنى الأسبق أو زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق للحديث عنه وطرح سياساته, وتطور الأمر فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى حتى قام بتعيين نائبًا له ومستشارين ومساعدين فى مؤسسة الرئاسة، بالإضافة إلى جماعة الإخوان كانوا دائما ما يتحدثون باسم المؤسسة أمام الشعب, وتواصل الأمر فى حكم الرئيس المؤقت عدلى منصور، والذى قام بتعيين مستشارين ومتحدثين كانوا على رأس المشهد تقدمهم الدكتور مصطفى حجازى المستشار السياسي، وأيضًا الكاتب الصحفى أحمد المسلمانى مستشارًا إعلاميًا إلا أن الوضع انقلب فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذى أصبح هو رمز مؤسسة الرئاسة ويتدخل شخصيا لإنهاء العديد من المشكلات التى قد تطرأ على الرأى العام وأبرزها أزمة المحاماة ومغتصبة التحرير والصلح بين رئيس حزب الوفد ونائبه وكان من آخر مواقف الرئيس السيسى والتى تعبر بشدة عن كون الرئاسة مختزلة فى شخصه هو الخطاب الذى ألقاه الأسبوع الماضى يحث فيه الناخبين على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الحالية، والتى شهدت عزوفًا واضحًا من الناخبين. وفى إطار ذلك تستعرض"المصريون" آراء الخبراء فى أسباب اختزال نظام 30 يونيو فى شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي..
"عقل": اختزال السلطة فى شخص واحد يكون له الأمر والنهى هو إرث سياسى فى مصر
فى البداية يقول زياد عقل الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن اختزال السلطة فى شخص واحد يكون له الأمر والنهى هو إرث سياسى فى مصر منذ عام 1952, حيث إن الأمر لا يتعلق وحده بشخص الرئيس وإنما يتضمن غياب المؤسسات الأخرى, لذلك يتم اختزال الأمر فى الشخص الحاكم سواء كان فى الماضى جمال عبد الناصر أو السادات أو حتى الرئيس المخلوع مبارك ومن بعدهم الرئيس السيسى. وأوضح عقل, أنه لا توجد آليات أخرى للحكم فى مصر سوى لرئيس الجمهورية، وذلك لكون المؤسسات والوزارات المختلفة خاضعة لسلطة الرئاسة, وهى نفسها مختزلة فى شخص رئيس الجمهورية, لذلك عندما تقوم بمخاطبة أحد ما أو جهة ما فإنها تخاطبه من خلال شخص رئيس الجمهورية وليس من خلال المتحدث الرسمى للرئاسة رغم وجود هذا المنصب . وأشار الخبير بمركز الأهرام، إلى أن مصر أعادت إنتاج الأنظمة السياسية الماضية بلا رؤية حقيقية أو سعى نحو التطوير, فعند النظر لانتخابات مجلس الشعب فأن الناخب لا يذهب لاختيار المرشح على أساس خطة معينة أو هدف أو حتى تابع لنظام سياسي, وإنما يكون على أساس شخصى أو عائلى أو قبلى . فالمؤسسات الحكومية، غير قادرة على أداء دورها الحقيقى وأصبحت أشبه بمؤسسات كرتونية تجميلية للنظام الحاكم، لأن بناءها فى الأصل تم على أساس سياسة التهميش وهو ما كان فى دستور 1954 الذى خسف بها إلى القاع وجعلها خاضعة لمؤسسة وحيدة.
وقال عقل، إنه فى ظل غياب استقلالية المؤسسات لا يمكنها الاعتراض على أى وضع قائم, ولا يمكن لأى سلطة أن تقوم بتغيير الواقع ويظل رئيس الجمهورية هو الحاكم الأوحد. فالفترة الأولى من حكم الرئيس السيسى كانت معتمدة على التواجد الشخصى له فى أمور كثيرة مثلما حدث فى تدخله فى أزمة المحامين أو حادثة اغتصاب سيدة التحرير أو حتى قضية شيماء الصباغ, مما يؤدى إلى عدم الرغبة فى تجربة شيء جديد، فى ظل غياب رؤية الاختلاف يبقى الولاء هو الحاكم الرئيسى للمناصب السيادية فى الدولة وليس أى حاكم آخر .
"صادق": الإعلام هو من صنع من السيسى الرجل الأوحد من جانبه يقول الدكتور سعيد صادق المحلل السياسى، إنه عقب حدوث الثورات توجد فترة من الفوضى يأتى خلالها شخص يلتف الشعب حوله وهو ما يحدث الآن فى ظل وجود السيسى, الذى ينظر له الجميع على أنه المنقذ. وأشار صادق، إلى أن الثقافة السياسية العربية والمصرية لا تعتمد على ثقافة المؤسسات وتنوع الاختصاصات, وإنما تعتمد على الرئيس الأوحد الديكتاتوري, واستعادة النظام الفرعونى القديم الذى يعتمد على السلطة المطلقة للحاكم الذى أصبح شبة إله, وذلك فى ظل ضعف أداء المؤسسات . "مكى": الهاجس الدائم الذى يسيطر على عقلية نظام الفرد الواحد هو أعداؤه بالداخل على سياق آخر يقول المستشار أحمد مكى وزير العدل الأسبق، إن وجود السيسى فى صدارة المشهد دائمًا، نتيجة أن نظام الفرد الواحد يُقصى دائمًا من يتخوف منهم، وحدث ذلك مع المشير أبو غزالة ورفعت المحجوب، فى عهد السادات، فالهاجس الدائم الذى يسيطر على عقلية نظام الفرد الواحد هو أعداؤه بالداخل. وأضاف مكي، أن هناك فروقا كبيرة بين نظام الرئيس السابق محمد مرسى ومن قبله مبارك وبين النظام الحالي، فمبارك تدرب سياسيًا قبل أن يصل لمنصب الرئيس وشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وكان نظامه قويًا، أما النظام الحالى فهو تحت التأسيس "لا يعلم أحد إذا كان سيكمل طريقه أم سيقف عند هذه المرحلة". وأكد مكى أن طبيعة الحاكم الفرد حول العالم هو أنه ينظر إلى جميع من حوله على أنهم "أقزام" وبالمقارنة فإن نظام الحاكم الفرد لا ينطبق على مرسى الذى كانت تحميه جماعة منظمة، وكان مبارك يحكم بعقلية الفرد فى نظام مستقل متطور يسمح بالحرية الجزئية، فكان يحظر الإخوان ولم يعتبرهم جماعة إرهابية وسمح لهم فى أوقات بالدخول فى العمل السياسى والبرلمان، فمبارك كان قادراً على صنع رابعة ولكنه ترك الحكم "عشان ما يعملش مجازر" مؤكداً أنه كان يتعامل مع إسرائيل ولكنه لم يغلق الأنفاق ويخنق الفلسطينيين. "القوصى": طبيعة الظروف التى تعيشها مصر تستدعى أن الرئيس هو من يتصدر المشهد من منحى آخر قال السفير أحمد القوصى مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك اختلافًا كبيراً بين مؤسسة الرئاسة فى حكم مبارك والإخوان ومؤسسة الرئاسة الآن، ولا يعنى ذلك مطلقَا أن السيسى يحتكر الواجهة السياسية كما يدعى البعض ففى ظل حكم الإخوان كان الحاكم هو مكتب الإرشاد، وأثناء وجود مبارك كان الحاكم هو الابن وأمانة سياسات الوطنى. واعتبر القوصي، أن التجربة مختلفة كثيراً الآن فالسيسى هو من يتحدث بنفسه وهو من يحكم بالفعل ولا يخاف ولا يخش أحداً ممن حوله، وليس فى حاجة إلى ذلك لأنه يمكنه اختيار من هم أهل ثقة. وأضاف القوصي، أن طبيعة الظروف التى تعيشها مصر تستدعى أن الرئيس هو من يتصدر المشهد ولا يترك الفرصة لأحد من رجاله أو حتى المتحدث باسم الرئاسة، مؤكداً أن السيسى يمارس نوعا من الديمقراطية التى أفتقدها أسلافه بمن فيهم الرئيس الذى تحكمت جماعته فى المشهد السياسى ككل. كمال: السيسى لا يريد الاستعانة برجال"مبارك" من جانبه يقول الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن النظام الحالى فى طور التشكيل ولم تستقر لديه الرؤية فيما يخص الكثير من الأمور ومنها الأشخاص الذى يمكن أن يتم الاعتماد عليهم الفترة المقبلة. وارجع كمال، عدم اختيار الرئيس السيسى أشخاص بعينهم ليكونوا "رجال الدولة" إلى عدم رغبة النظام فى الاستعانة برجال نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لما يمثله ذلك من حساسية لدى الرأى العام، فضلا عن عدم وجود أسماء ينطبق عليها هذا المصطلح. ولفت كمال، إلى أن السبب الرئيسى فى افتقاد الساحة السياسية لمثل هؤلاء الرجال هو ضعف الأحزاب السياسية التى تعتبر المحك الحقيقى للسياسيين لكى يتأهلوا ويصبحوا رجال دولة من خلال تدرجهم داخل أحزاب قوية لها وجود فى الشارع ولها قدرة على استقطاب الرأى العام وبالتالى التأثير على صناعة القرار. وأكد كمال أن هناك ثلاث سمات رئيسية ينبغى أن تتوافر فى "رجل الدولة" أولها امتلاك الخبرة الفنية بحيث يكون لديه معرفة كبيرة بالمهام التى يتولاها ولا يكون ممن يتم توليتهم على طريقة "أهل الثقة" والأمر الثانى أن يكون لديه القدرة على الإدارة واتخاذ القرارات الملائمة فى الوقت المناسب، أما الأمر الثالث الذى لا يقل أهمية عن الأمور السالف ذكرها هو وجود الرؤية السياسية والتى يجب أن يتحلى بها وغيابها يؤدى إلى ضياع مفهوم "رجل الدولة". راغب: "الجيش" المؤسسة الوحيدة لتخريج "القادة" إلا أنهم ليسوا ساسة وتقول الدكتورة هدى راغب أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن افتقاد البلاد فى الوقت الراهن لنوعية رجال الدولة هى حصيلة كبت الحريات فى عهد مبارك، ما جعل المناخ السياسى غير ملائم لتخريج نوعية لديها رؤية سياسية تقود الرأى العام لأن "رجل الدولة" يحتاج إلى سنوات عديدة حتى يصبح مؤهلا للقيادة واتخاذ القرار. وطالبت راغب، الرئيس السيسى بأن يولى اهتماما بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى حتى يمكن للقيادات أن تتدرب على القيادة ويكون لديها الثقة على ممارسة العمل السياسي، موضحة أن المؤسسة الوحيدة القادرة على تخريج كوادر قيادية الآن فى البلاد هى "الجيش" إلا أن عيب هذه القيادات أنها ليست سياسية. وأكدت راغب، أن القيادات السياسية لابد أن يتم تشجيعها وإعطائها الفرصة وإن كانت النتيجة لن تأتى بين ليلة وضحاها بل ستحتاج إلى سنوات من الإعداد بعد فترة التجريف السياسى التى عاشتها البلاد طوال العقود التى حكمها مبارك إلا أنها أشارت إلى الحاجة لمزيد من الحريات فى الفترة المقبلة.