لا أدرى لما تتراءى أمامى صورة (د.عبد الحميد حسن) كلما ذكر اسم ائتلافات شباب الثورة ومجلس أمناء الثورة واتحاد شباب الثورة واتحاد شباب ماسبيرو .. وفى المشهد نفسه تتراءى أمامى (أروى صالح) بشهادتها الدامغة (المبتسرون) ... وأنا أدعو كل العاملين فى العمل العام إلى قراءة هذا (السفر الرهيب) وأيضا إلى قراءة ما كتبه العلامة د. يحى الرخاوى عنه وهو بالمناسبة أول من لفت نظرى إليه. عبد الحميد حسن كان أحد القيادات الشبابية اللامعة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات .. كان رئيسًا لاتحاد طلاب مصر وقياديًا كبيرًا فى منظمة الشباب الاشتراكى ثم بعد ذلك وزيرًا للشباب ومحافظًا. أتذكره جيدًا وهو جالس قبالة الرئيس السادات كزعيم شبابى كبير.. كان من الرءوس الكبيرة فى انتفاضة الطلاب سنة 1968م ... كان مشروع ثائر إن لم يكن ثائرًا كاملاً ..وكان يتمتع بصفات قيادية أسرة وطموح طاغى ورغبة جامحة فى الصعود الاجتماعى وتحقيق الشهرة ثم لم يلبث إلا قليلا وأصبح من عناوين دولة الرئيس السادات ..ثم لن يلبث إلا قليلا وأصبح ممن تطلبهم محاكم الكسب غير المشروع ..ثم لم يلبث إلا قليلا ومات ..لم ينتبه بما يكفى أنه ذاهب إلى يوم تشيب لهوله .سود النواصى .. فلا رحب القصور غدا بباق ** لساكنها ولا ضيق الخصاص. كنت قد كتبت عن أروى صالح فى (المصريون) منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.. وعن رؤيتها لجيل الحركة الطلابية أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات وكان أغلبه من اليسار..بعضهم تحول إلى التيار الإسلامى وبعضهم بقى على حاله وأغلبهم انصرف إلى الحياة بعد تجربة جديرة بالاعتبار ..وهى التجربة التى رصدتها أروى صالح فى كتيب صغير بعنوان (المبتسرون)..قالت فيما قالت واصفة أغلب أبناء هذا الجيل.. * إن العمل العام لم يكن بالنسبة لهم أكثر من مفتاح سهل لغزو الدنيا والتعالى على الناس إن ما يتحدثون به لم يعرفوه ولا حاولوا أن يتمثلوه ولا كان حتى بالنسبة لهم معاناة اكتشاف . كان جهلهم بعالم الأفكار يعادل جهلهم بالحياة نفسها * ليس لدى أحد منهم سلاح ستعين به فى معركة الحياة سوى شطارته لا يتكلفوا شيئًا سوى أرخص بضاعة :(الكلام).. كلام لم يعودوا يعرفون هم أنفسهم أين استقر موقعه من أرواحهم * أهم ما يعنيهم البحث عن دور يبرر وجودهم ويعطيهم أهمية ويمنحهم وسيلة للارتفاع فوق الناس الغلابة طلاب للنجومية السياسية والاجتماعية وتحول أكثرهم إلى مركز طبقة يدور فى أفلاكها المناضلون الآخرون. * بينهم صراع صامت ومرعب حول النجومية. وتركت لنا هذه الشهادة التى ليست إلا عينة من حاضر لئيم نعاينه نحن أيضا ونعايشه. حين بات حلم دولة (الديمقراطية والكرامة) قريب المنال ..أخذا فى التكون والاكتمال بانتخابات كانت أشبه ما تكون بعُرس حضارى بهيج .إذا بالغربان تتلاقى وتتجمع ..لعلها تحيل المشهد كله إلى حلم حزين بين أطلال النهاية.. فيلتف التنظيم السرى للعادلى وجمال ..على كارهى الثورة وما أسفرت عنه ..على أشباح الماضى (التروتسكى) من مدرسة الفوضى مستمرة ..على بعض الشباب الذين سحق مبارك ونظامه أرواحهم (اللامنتمى) ..ويجتمع الجمع على حرق الأرض وإطفاء كل المصابيح بأى ثمن. فبعد أن كان الجيش بطلا حمى الثورة وحفظها ويسير بتطورها الطبيعى فى طريق اكتمال المؤسسات وترسيخ كيان الدولة القوية (وإن تباطأ وتعثر).. يتحول إلى وحش غليظ يسحل الفتيات ولا تعلق بذاكرة الناس إلا مشاهد الضرب والدم ..وعسى أن ينقسم الجيش على نفسه ويحدث اقتتال داخلى...أو ينقلب على المشهد كله بانقلاب ..إذ ليس سرا أن تفاحة نيوتن سقطت فى حجر الإسلاميين ويكاد يبدو للكافة أنهم - الإسلاميون - والشعب الطيب فى القرى والنجوع هم من سيجنى ثمار الثورة فى صورة نهضة وليدة طال مخاضها من أيام محمد على. [email protected]