انتقد الدكتور ناجح إبراهيم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، حديث بعض المثقفين عن كون مصر دولة علمانية، مشددًا على أن هذا الكلام غير صحيح بالمرة مستدلًا بعدد من المواقف التي شهدها التاريخ المصري. وكان نص مقال "إبراهيم"، في صحيفة "الوطن"، بعنوان "هل مصر علمانية": يطلق بعض المثقفين بين الحين والآخر دعوات غريبة مفادها أن مصر تعد منذ نشأتها وحتى اليوم دولة علمانية.. وهذه الدعوات أشبه بدعوات خلع الحجاب التى تنطلق بين الحين والآخر.. وكلها لا أثر لها فى حياة الناس وفى واقعهم.
وعلى أصحابها أن يذهبوا إلى النجوع والقرى والمدن والأحياء الراقية أو العشوائية ليروا أثر الدين فى كل شئون الحياة المصرية وكل لحظة من لحظات هذه الحياة بطريقة أو بأخرى.. وأن يدركوا أن التدين سواء للمسيحى أو المسلم متجذر فى البيئة المصرية تجذراً يصعب خلعه أو تجاوزه.. وأن المصرى شاء أم أبى يحتاج للدين والتدين فى أفراحه وأحزانه، ومولده ومماته، وانتصاراته وانكساراته.. ففى لحظة البلاء يكون حمد الله وشكره والثناء عليه هو الغالب على الأسرة التى ترزق بمولود.. وحين المرض الشديد والمزمن والجراحات الكبرى تلجأ الأسرة كلها إلى الله ترجوه وتدعوه وتتضرع إليه ولا تجد سواه ملجأً وملاذاً.. وفى حالة الوفاة لا يجد الناس سلوى لهم سوى الدين وكتاب الله وأحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» يستلهمون منها معانى الصبر والرضا واليقين. ألم يكن الدين وازعاً قوياً للصبر والتماسك أمام نكسة 5 يونيو وكان أساس الصبر والرضا بقضاء الله لآلاف الأسر التى نكبت بفقد أبنائها الذين استشهدوا فى هذه الحرب أو التى غاب أبناؤها من الجنود والضباط ولم تعلم عنهم شيئاً.
لقد كانت لنا جارة فقد ابنها فى حرب 1967 ولم تعلم عنه شيئاً حتى ماتت وكان القرآن وأحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» هى السلوى الوحيدة لها ولأبيها حتى ماتت وهى لا تدرى أنه فيما يبدو ضمن الأسرى الذين قتلهم شارون ودفن جثثهم فى صحراء سيناء.. وكانت هذه المذبحة ضمن مآثره التى نال بها ثقة الشعب الإسرائيلى فأصبح رئيساً لوزرائها. ألم يكن الدين محركاً قوياً للجنود فى حرب أكتوبر، وكانت صيحة «الله أكبر» دافعاً لكل جندى ليبذل روحه فى سبيل الله.. وهل يضحى الجنود بأرواحهم فى معارك الأوطان إلا إذا كانوا ينتظرون الجزاء الأخروى فى الجنة، ويعتقدون أن الشهادة فى سبيل الله دفاعاً عن الوطن هى أغلى درجة ومكانة.
ألم يسمع هؤلاء عن أسد الصاعقة الشهيد إبراهيم الرفاعى الذى دوّخ الإسرائيليين مع مجموعته الرائعة 39 قتال التى أسرت بطل المصارعة فى الجيش الإسرائيلى والتى ثأرت لمقتل البطل الفريق عبدالمنعم رياض.. فقد كان «الرفاعى» يجمع ضباطه وجنوده ويقول لهم: «يا أولاد نحن نقاتل فى سبيل الله».. وكان كل واحد منهم يحب الشهادة أكثر من عودته لأسرته.. ترى لو لم يكن فى الدين جزاء وثواب يسمى الشهادة هل كان هؤلاء سيضحون بحياتهم هكذا بسهولة ويسر؟.
الأمم كلها تحب أديانها وتفخر بها وترتبط بها وتحرص عليها.. حتى البلاد التى ليس لها دين تريد أن تصنع لها ديناً وضعياً مثل البوذية والهندوكية وغيرهما.. فما بال الذين أكرمهم الله بأعظم الأنبياء والرسل؟!.
وكيف تكون مصر علمانية وهى من رموز التوحيد والهداية على مر الزمان.. ألم يكن إدريس عليه السلام أول من دعا إلى التوحيد على ضفاف النيل العظيم؟!.
ألم تتشرف مياه النيل بحمل مهد نبى الله موسى وهو ما زال رضيعاً يتلمس النجاة من زبانية فرعون؟!.
ألم يكن فى مصر الإيمان والتوحيد حتى فى قصر فرعون وبين زبانيته فكان مؤمن آل فرعون وكانت آسيا امرأة فرعون التى دعت أن يجعل الله «موسى الرضيع» قرة عين لها ولفرعون.. ولكن الأخير بكبريائه رفض هذا الدعاء فكان من الهالكين.
وكيف تكون مصر علمانية وهى التى احتضنت يوسف ورسالته، ثم استقبلت نبى الله «يعقوب» وأولاده واحتضنت الرعيل الأول من أنبياء بنى إسرائيل. ألم يعش فى مصر أعظم أنبياء بنى إسرائيل بداية من يعقوب ويوسف وانتهاء بموسى وهارون؟!.
ألم يتشرف طور سيناء بقبر نبيى الله موسى وهارون «عليهما السلام».. وكل من ذهب إلى هذا القبر يشعر وكأن موسى كليم الله يخاطب ربه وتتنزل عليه ألواح التوراة التى تستنهض همم بنى إسرائيل؟!.
كيف تكون مصر علمانية وهى التى آوى إليها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر.. وكيف تكون علمانية وهاجر أم العرب جميعاً مصرية؟!.
وكيف تكون علمانية وهى التى احتضنت المسيح وأمه العظيمة مريم «عليهما السلام» حينما هربوا من بطش اليهود فوجدوا فيها الأمان والإكرام؟!.
وكيف تكون مصر علمانية وهى التى احتضنت «مرقص الرسول» أهم وأبرز حواريى المسيح، وهو الذى نشر المسيحية فى مصر؟!.
وكيف تكون علمانية وهى التى قال عنها نوح «عليه السلام» ناصحاً ابنه فى سفر التكوين: «يا بنى أسكنتك أم البلاد وأهلها»؟!.
وكيف تكون علمانية وهى التى رحبت بآل البيت الذين فضلوها وآثروها على الحجاز؟!.
وهل سيختار كل هؤلاء الأنبياء والرسل والأولياء بلاد العلمانية منذ المهد على حد زعم هؤلاء؟!.
وكيف تكون علمانية وجيوشها هى التى حمت الإسلام وحررت بيت المقدس على أيدى القائد العظيم صلاح الدين الذى حطم الصليبيين فى حطين.. وهى التى حمت المشرق كله من همجية التتار وكسرت شوكتهم حينما أذاقهم كأس الذل قطز فبيبرس فقلاوون؟!.
وكيف تكون علمانية ولم يستقم اللسان العربى إلا بها وفيها بعد أن اعوج فى كل مكان؟!.
وكيف تكون علمانية وفيها الأزهر الشريف أعظم جامعة إسلامية على وجه الأرض، رغم ما نالها من ضعف.. وفيها ملايين المآذن وصدح فى سمائها القرآن بأعذب الأصوات بدءاً من محمد رفعت ومروراً ب«عبدالباسط» ومصطفى إسماعيل وانتهاءً ب«نعينع» وتلاميذه؟!.
وكيف تكون علمانية وأخناتون أول ملك فى مصر دعا إلى التوحيد قبل ظهور النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» بكثير؟!.
فإذا أصبحت مصر علمانية فقل عليها السلام.. وكبر عليها أربعاً.