وراء كل رئيس فريق عمل يضم مفكرين وكتابًا وباحثين ومستشارين يعملون على مساعدته، لايتم تقديمهم بصورة رسمية غالبًا، لكنهم يشكلون الحلقة الضيقة داخل دوائر صناع القرار، يضعون الاستراتيجيات ويرسمون الخطط، حتى الخطابات التي يخاطب بها الشعب تخضع للدراسة والنقاش قبل أن يتم الاستقرار عليها في شكلها النهائي. يمثل "كاتب الرئيس" عبر التاريخ أهمية كبيرة منذ محمد نجيب مرورًا بجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك ومحمد مرسي وعدلي منصور، وصولاً للرئيس عبدالفتاح السيسي، فخطابات الرئيس ليست مجرد ألفاظ رنانة، لكنها تحتوي على أفكار وتتضمن في فحواها قرارات مؤثرة، لذلك عليه أن يختار بعناية مفردات الخطاب التي تراعي تباين المستوى الثقافي والتعليمي بين عموم الشعب. فالرئيس لايتحدث دون أن يكون هناك مشاورات واجتماعات مع مستشاريه المتخصصين لتحديد عناصر الخطاب ومداخله ولغته وإشاراته والعبارات التي يركز عليها وفقًا للمناسبة التي يتحدث فيها ونوعية الجمهور والرسالة التي يريد توجيهها والأهداف منها. كما أن الرئيس في دول المؤسسات لا يرتجل مهما بلغت بلاغته وفصاحة لسانه وقوة لغته لأنه بالتأكيد سيخرج عن النص وقد تخونه كلماته وعباراته وتصيب أهدافًا خاطئة تمامًا ولا تحقق الغرض منها بل قد تأتى بنتائج عكسية على عكس ما يشتهي الرئيس. كتابة خطاب الرئيس لها أصول وقواعد لا يخرج عنها وحتى إذا أراد الارتجال يكون ذلك بالاتفاق مع مستشاريه. ولعل أشهر من كتبوا خطابات الرؤساء في مصر على مدار أكثر من 60عامًا هو الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، والذي كان يصيغ خطابات الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وهو من كتب له خطاب التنحي عقب الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل في يونيو 1967، الأمر الذي كان له أثر في شحن عاطفة المصريين، الذين خرجوا آنذاك للهتاف باسم الزعيم. أما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فقد ظل هيكل كاتبه في السنوات الأولى وكان هو العقل المدبر وبعد خلافات بينهما أصبح الكاتب الصحفي موسى صبري هو كاتب خطاباته المقرب والمحبب. لكنه في النهاية لم يكن مقنعًا كما سلفه في مخاطبة الشعب، وربما لأن الأول كان أكثر "كاريزما" منه ويحظى بقبول شعبي أكبر. في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لم يكن هناك كاتب محدد يكتب الخطابات الرئيس، وتعددت الأسماء، ومن بينهم رأسهم أنيس منصور ومكرم محمد أحمد وسمير رجب وأسامة الباز، وكانت خطابات المناسبات الدينية يكتبها الدكتور أحمد عمر هاشم. أما في عهد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة يناير، فلم يعرف كاتب خطاباته بشكل واضح، وهناك من قال إنه هو يكتبها بنفسه، أو لا يكتبها على الإطلاق ويلجأ إلى الخطب الشفاهية، وآخرون قالوا إنها تأتي إليه من مكتب الإرشاد. لكن خطاباته لم تكن مقنعة للكثيرين، خاصة وأنها قد تستغرق وقتًا أطول من اللازم، وعندما خرج بعد 30يونيو، استغرق في الحديث طويلاً عن المشاكل والتحديات التي واجهها على مدار عام من حكمه، إلا أنه في النهاية لم يكن خطابًا مؤثرًا في الغالبية العظمى من المصريين. أما المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، الذي تولى منصب الرئيس المؤقت عقب الإطاحة بمرسي في 3يوليو 2013، فقد تقاسم الكاتب الصحفي أحمد المسلماني، الذي عمل مستشارًا إعلاميًا له، والدكتور مصطفى حجازي، مستشاره للشئون السياسية والإستراتيجية، كتابات خطاباته. بينما لا يعرف على وجه الدقة كاتب خطابات الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي تتسم غالبيتها بالارتجال، الأمر الذي يستغله خصومه للتركيز على الأخطاء في ثنايا كلامه. وبحسب مصادر، فإن عددًا من الشخصيات الإعلامية المقربة من الرئيس وعلى رأسهم ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، ومحمود مسلم رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" سابقًا والدكتور سامي عبدالعزيز، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة القاهرة، هي التي تتولى صياغة خطاباته.