سار الأدب فى بدء نهضته فى البحر الأحمر سيراً حثيثاً ، وبدأ يخو خطوات قوية على الخريطة الأدبية الأقليمية، بفضل الإخلاص الذى كان ينبع من الرعيل الأول، الذين عشقوا الأدب وأخلصوا له، ومن هؤلاء الرعيل الشاعر الذى وضع فى مجاهل أمدا طويلا فكان لابد من البحث عنه, وإعادته إلى الذاكرة الأدبية، فعلمت أنه نشر ديوان شعر بعنوان (لعله الحب يا بلدى) الذى صدر فى طبعة رائعة عام 1997 م، لم يصدر عن الهيئة العامة لقصورالثقافة التى ترعى مْن هم دونه ولكن نشره على حسابه الخاص. والشاعرمحمد عبدالعزير الأنصارى هذا المعلم الفاضل الذى بدأ قرض الشعر وهو طالب صغير فى المرحلة الإلزامية فى قريته (صعايدة الكلح) بمحافظة قنا، التى ولد فيها عام 1927م ، وفيها حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادىء القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية بقنا 1940م ، وحصل على كفاءة التعليم الأولى 1946، عمل بالتربية والتعليم مدرساً يتنقل بين الأرجاء فى أسوانوقنا حتى استقر أخيراً فى الغردقةالبحر الأحمر، وكانت فى هذا التوقيت مدينة نائية كنجع فى صعيد مصر قبل أن يصيبها التقدم والازدهار منذ بدايات الثمانينات من القرن الماضى بفضل تجربة الفريق يوسف عفيفى، وظل بها حتى وفاته وفيها نشطت قريحته الشعرية وتنوع شعره بين العاطفى والوطنى والإجتماعى، وعمل موجهاً بالمملكة العربية السعودية بين عامي 1973 و 1978, وقد تقاعد عن العمل حينما بلغ الستين، وكان لنشأته الدينية أثر بالغ فى شاعريته، كان عضوا مؤسساً فى جمعية ادباء البحر الأحمر وتولى مجلس إدارتها فترة من الزمان، ونشر بعض قصائده في الصحف والمجلات المصرية والسعودية. أذيع شعره في الإذاعة والتلفزيون المصريين. شارك في العديد من نشاطات قصور الثقافة بجمهورية مصر العربية. وحصل على شهادتي تقدير في عيدي الفن الأول والثاني من وزارة الثقافة, وفاز في مسابقة التربية والتعليم عن نشيد للأزهر في عيده الألفي 1982. هذا وقد تنبأ الدكتور عبدالدايم أبوالعطا بنبوغ الشاعر منذ عام 1947م ، حيث تحدث عنه فى كتابه (شعراء الأنصار) وعده مقارناً فى شعره لشعراء الأندلس وفصحاء المهجر فقال فى كتابه : "فإذا كنا قد جعلناه ختامهم، فإنما لأن فيه خصائص ليست فيهم، وله فى شعره نفحات وبين قوافيه لفتات ...فالشعر بين يديه طيع ، وقوافيه بين أنامله أطوع، له من القلم بين بنانه، أما المعانى والألفاظ فهى خليقة بأن تكون لشعراء الأندلس وفصحاء المهجر ، جيد السبك، قوى المعنى، جزيل اللفظ، ينتظر منه وهو شاب أن يكون من فحول الشعراء بين حين ومن أساطين القصيد فى مصر، لو دام نشاطه وتوافرت له وسائله". وقد فاز الشاعر بعدة جوائز وأفرد له (معجم البابطين) مساحة للتعريف به وبشعره وهذا هو أسمى تكريم له حيث أنه لم يفرد المعجم لشاعر من البحر الأحمر سواه . وكان الشاعر شغوفا بحب الوطن الذى استولى على مشاعره وغلب على حواسه ففى قصيدة له بعنوان "حنين" يترجم هذا الحب وهذا العشق إذ يقول: وطنى ظلمة تمر ويأتى بعدها النور والحقيقة تظهر وطنى محنة تغشت سمانا أملى الحلو أن أراك متحرر وطنى ما حييت فأنت هتافى أنت حبى وأنت وأكثر ثم يعرج إلى الحب فى سموه إلى مرتبة الروح ، فكل مْن جرب الحب سمت أخلاقه وصَفت نفسه وارتفعت إلى مكانة الروح واهميتها بالنسبة للجسد ، ففى قصيدة له بعنوان "فداك سعادتى" يتضح اكثر من معنى للحب حينما يقول: ورأى قلبى مفاتنها فهام يردد اللحنا دعوت الوحى يلهمه بيانا يشبه الحسنا وتأدب واستمى أدبى وقال : جمالها أسنى ويستطرد الشاعر بعد ذلك متنقلا إلى حديثه مع فتاته ينثر أسئلته هنا وهناك، هل سيلقاها ؟ هل سيجمعهما شمل الحب فيواصل سرد تجربته: هويتك يا فتاة فهل سيجمعنا الهوى مثنى لحاظك نبهت روحى واعطت نبضى معنى حديثك من رحيق والشفاه أخالها مزنا وقدك والتثنى والحياء يزيدنى وهنا فداك سعادتى وأريدك يا حسناء ان أهنا والشاعر ضمير عصره يتأثر بأحداثه ويترجم شعوره نحوه، وقد عاش الوطن فترة مستعرة بالحماس قوامها القومية العربية وفى مصر كان السد العالى هو أمل الناس وحلمهم الأساسى، والتف الناس بقلوبهم وسواعدهم حول قائدهم عبدالنصر يريدون أن يُنجر المشروع فى أقرب وقت، وتفاعل الشعراء يروون فى شعرهم هذه الملحمة الوطنية ومنهم صاحبنا الأنصارى: صرخة العملاق دوت فكتبنا ما نريد من شعارات المعالى وبُعثنا من جديد عشت يامصر الحياة كل يوم لك عيد صرخة العملاق دوت وسنمضى للسماء نحن عزم نحن جند نحن أسباب العلاء سنحيل الصخر روضا والياجير ضياء يوم أن قلنا بنينا صرح امجاد وجاه أنه عيد الأمانى أنه حلم الحياة. ونحن ندعو الجهات المسئولة من خلال هذه السطور إلى تراث هذا الشاعر الذى فضل الإقامة بالغردقة من رفقائه الأبنودى ومحمد كمال هاشم وغيرهم فى وقت كانت الغردقة لا تغرى الناظرين مثلما هى عليه الآن .
من وحى الغربة ( إلى أمى نبع الخير الذى لا ينضب ) شعر/ جمال عبدالعزيز بدوى عذبنى الشوق إلى أمى والغربة لا ترحم همى الليل ثقيل وطويل اليل يدمدم فى نفسى يا للحرمان ويا ألمى يدها البيضاء هنا مرت تقتلع الرهبة من ذاتى تناسب رضاء وحنانا ليسيل الحب على كتفى فاخط الحب تراتيلا تتوهج نورا من حولى أيناها ..أيناها امى ؟ نوراً فى الفجر يضوى وتقر بها عينى وتسبح... تذكر .... ثم تصلى واقبل يدها ممتثلاً فالبهجة ظل للأم يصحبنى دوماً فى يومى أيناها ..أيناها أمى؟ الوجنة تعبس فى صمت غابت قبلتها ..يا ألمى والعين تفيض بلا جدوى تتحسر يوما ..أو تنعى أيام الحب وما تهدى تتحجر حمماً فى رأسى أيام البين وماتجنى الوحدة فاضت من هممى وكأنى منها فى يم أيناها..أيناها أمى؟ أين لياليها غابت ؟ والخوف يهب ويثأر منى أيناها ...أيناها ..أمى ؟