نشرت وكالة "رويترز"، تقريرًا يتضمن شهادات تفصيلية حول الوفيات التي تشهدها السجون بين المعتقلين المعارضين للسلطة الحالية، نتيجة الإهمال الطبي. وبحسب منظمات حقوقية، فإن هناك أكثر من 100 حالة لما تقول إنها وفيات "بالإهمال" في السجون خلال العامين الأخيرين. وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن مصر ملزمة بموجب القانون الدولي بتوفير رعاية صحية للمحتجزين تماثل الرعاية المتاحة للمواطنين العاديين. كذلك فإن الدستور المصري ينص على أن معاملة السجناء يحظر فيها "كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر". ورغم ذلك قالت المنظمة الحقوقية في تعليقات بالبريد الالكتروني إن "سلطات السجون ترفض بصفة روتينية تقديم الرعاية التي قد تنقذ حياة المحتجزين ويبدو أنها لا تشعر بضغط يذكر أو بأي ضغط على الإطلاق أو إشراف من المسؤولين الأعلى في وزارة الداخلية أو إدارة السيسي". وامتنع متحدثون باسم الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب عن التعقيب وأحالوا "رويترز" إلى وزارة الداخلية التي لم ترد على طلب تفصيلي. ورفض مصدر بوزارة الداخلية طلب عدم الكشف عن هويته هذه الاتهامات. وقال إن السجون المصرية "بها رعاية طبية ومستشفيات جيدة جدا. وبها أطباء على مستوى عال من الكفاءة وبمجرد دخول أي سجين إلى السجن يجرى له فحوصات طبية لبيان حالته الصحية وإذا اتضح أنه يعاني من أي مرض يتم عمل متابعة له وإذا استلزم الأمر يتم إيداعه مستشفى السجن." وقال المصدر إن النائب العام هو الذي يقرر متى ينقل السجناء. وقال مصدر قضائي في مكتب النائب العام طلب أيضًا عدم نشر اسمه معلقًا على طلبات السجناء للعلاج في مستشفيات خارجية "حين يعرض علينا طلب من دفاع أي متهم لنقله إلى مستشفى خارجي لتلقي العلاج يتم دراسة الطلب وأخذه على محمل الجد". وإذا أظهرت التقارير الطبية أن المريض شفي فإنه ينقل مرة أخرى إلى زنزانته وتتم متابعة حالته. وتقول أسر سجناء ونشطاء حقوقيون ومسؤولو جماعة الإخوان المسلمين إن جانبًا من الحملة الأمنية يحدث في السجون التي تقول بعض التقديرات إن بها ما يصل إلى 40 ألف معتقل سياسي وتزداد ازدحاما يوما بعد يوم. ويقول هؤلاء إن سلطات السجون ترفض في العادة نقل السجناء المرضى للمستشفيات وترفض إرسال أطباء للكشف على الحالات الحرجة وتضغط على الأطباء لكتابة تقارير طبية توحي بأن السجناء في حالة صحية أفضل من حالتهم الحقيقية. وقال متحدث باسم جماعة الإخوان إن المسؤولية عن حالات الوفاة تقع على عاتق السيسي ورئيس الوزراء ووزير الداخلية إلى جانب سلطات السجون. وتحدث التقرير عن وفاة النائب البرلماني الإخواني محمد الفلاحجي الذي تعتقد أسرته أن وفاته متعمدة وأنها وسيلة تتعامل بها الدولة مع سجين أرادت التخلص منه. ونقل الفلاحجي إلى معسكر للأمن المركزي. وكان ذلك بعد بضعة أسابيع من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وقالت أم عمار زوجة الفلاحجي وهي سيدة متدينة لا تكشف ملابسها سوى عن عينيها ويديها وقدميها إن زوجها احتجز في حبس انفرادي للاشتباه في تكوين جماعة ارهابية. وأضافت أن هذه الاتهامات أسقطت عنه فيما بعد ووجهت له اتهامات جديدة. وفي العاشر من يناير 2014 نقل الفلاحجي الموظف السابق في وزارة التربية والتعليم إلى سجن جمصة شديد الحراسة الواقع غربي دمياط. وتقول أم عمار إن الفلاحجي كان مصابا بمرض السكري وبالتليف الكبدي قبل اعتقاله. وعندما بدأت تزوره قال لها إن 20 نزيلا في السجن يعيشون فقط على وجبات من الطعام لا تكفي سوى فردين. ولم ترد وزارة الداخلية على طلبات للتعليق على هذا الاتهام. وفي أواخر 2014 بدأ الفلاحجي يعاني من مشاكل في التبول. وأظهر تحليل لعينات من الدم والبول تم تهريبها من السجن في ذلك الوقت ارتفاعا كبيرا في مستوى حمض البوليك الذي يمكن أن يؤدي إلى تكوين حصوات في الكلى. وفي الشهور التالية تدهورت حالته الصحية. وتقول زوجته إنه فقد بعض وزنه وبدا عليه الإصابة بالصفراء وشكا من آلام حادة في البطن. وقالت إنه نقل إلى المستشفى خمس مرات بين مارس ومايو الماضيين لكنه لم يتلق العلاج المناسب قط رغم نصيحة الأطباء. وتوضح تقارير طبية من تلك الفترة اطلعت عليها رويترز تدهور وظائف الكلى والكبد عند الفلاحجي. وقالت أم عمار إن أطباء محتجزون مع الفلاحجي طالبوا مسؤولي السجن مرارا بنقله إلى المستشفى. وفي التاسع من مارس اذار الماضي نقله المسؤولون إلى مستشفى تخصصي في دمياط. وخلال ساعات نقل إلى مركز للشرطة حيث تقول زوجته إنها زارته وذلك قبل أن يعاد مرة أخرى للسجن بعد أربعة أيام. وتدهورت صحته وفي الثامن من إبريل نقل إلى المستشفى التخصصي لإجراء فحص بالأشعة. وتقول أم عمار إنه أعيد للحبس مرة أخرى بعد 30 دقيقة بعد أن قيل له إنه مصاب بحصوات في الكلية اليسرى والتهاب في الكلية اليمنى. وعرضت أم عمار تقرير تحليل دم بتاريخ السابع من مايو يظهر ارتفاع نسب الانزيمات والبيليروبين لثمانية أمثال المعدلات العادية. واستشارت "رويترز" اثنين من المتخصصين الطبيين فقالوا إن هذا المستوى غير عادي ويعكس ضعف وظيفة الكبد. لكن أم عمار قالت إنه عندما نقل الفلاحجي بعد ثمانية أيام للمستشفى كتب الأطباء تقريرا يشير إلى أن حالته مستقرة. وخلال زيارة أخرى في 19 مايو أوصى الأطباء بنقله للمستشفى لكنها قالت إن ضباط الأمن أعادوه للسجن. وقالت أم عمار "يقول وهو بيحكي لي أنا لم أستطع أرفع يدا ولا رجلا". وفي 20 مايو، قالت الزوجة إن زوجها اتصل بها من مستشفى الأزهر في دمياط وهناك قال له ضابط الأمن إن المستشفى رفض قبوله. وأضافت أن الفحوص أظهرت أنه يعاني من فشل كبدي وكلوي و"أتت طبيبة وطالبت بحجزه. وحجز زوجي داخل المستشفى لينقذ فيها (للعلاج) أربعة أيام ويموت في اليوم الخامس."
ولو عاش الفلاحجي لأتم عامه التاسع والخمسين في أغسطس. وقال خالد نجيب مدير المستشفى الذي توفي فيه الفلاحجي إن العلاج الوحيد الذي كان يمكن للمستشفى أن تقدمه له هو زراعة كلية موضحا أن مستشفاه ليس مجهزا لمثل ذلك وأن هذا الأمر سينطوي على قائمة انتظار طويلة. والفلاحجي ليس الوحيد من أنصار الإخوان الذي تقول أسرته وزملاؤه إنه مات من الإهمال. فقد حكم على طارق الغندور وهو طبيب معروف ومن أنصار مرسي بالسجن خمس سنوات في عام 2014 لمشاركته في احتجاج دون إذن من السلطات وهي تهمة نفاها. وقدمت زوجته إيمان أستاذ المناعة التماسا للإفراج الصحي عنه. وعرضت على "رويترز" طلبات كتبتها للسيسي والنائب العام ومسؤولين كبار توضح فيها أن زوجها البالغ من العمر 52 عاما يحتاج رعاية لإصابته بعدة أمراض. وقالت إيمان إنه في نوفمبر 2014 نقل الغندور إلى سجن شبين الكوم لإجراء فحوص في معهد الكبد القومي وإنها كانت تأمل أن تؤدي الفحوص إلى الإفراج الصحي عنه. وأجرى الأطباء هناك جراحة للغندور بسبب تضخم المريء حسبما قالت زوجته. لكنها أضافت أنه بدلا من البقاء في المستشفى للنقاهة أعيد الغندور مباشرة إلى السجن. وقالت إيمان إنه بدأ بعد أيام يتقيأ دما عندما انفتحت إحدى الغرز لكنه اضطر للانتظار ما يقرب من ست ساعات - في السجن في البداية ثم في مستشفى جامعي - قبل أن يفحصه طبيب. ويتذكر ابنه زياد أنه قال "نزفت دلوا من الدماء". وأضافت إيمان إن الغندور نزف حتى الموت في أعقاب عملية أخرى بمعهد الكبد في اليوم التالي وأضافت أن العملية أجريت له على عجل. وأضافت "المفروض إن حالة زي كده تتنقل على المستشفى على طول... لما تسيبه ثلاث ساعات في السجن وثلاث ساعات في المستشفى الجامعي... فلازم يموت. هم موتوه". ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للتعقيب على هذه الحالة. وقال أحمد الشعراوي مدير معهد الكبد إن الغندور تلقى أفضل رعاية ممكنة ورفض الادعاءات بأن جهاز الأمن أخر العلاج أو قيده. وأكد أن الغندور توفي في المعهد بعد أن نزف ثمانية أكياس من الدم. لكنه أضاف أن أطباء المعهد لم يجروا جراحة للغندور في المريء قبل أيام من وفاته. وقال إن النزيف الشديد نتج في الأساس عن تأخر حالة الكبد. وقال معوض الخولي رئيس جامعة المنوفية التي دخل الغندور مستشفاها إنه كان يعاني من مشاكل صحية متراكمة ووصل المستشفى في حالة حرجة لكنه تلقى العلاج السليم. وأضاف "أهل المريض ممكن يبقى ليهم رأي مختلف... لكن الطبيب المختص هو الجهة الفنية اللي تقرر يتعمل له ايه وامتى". وقال محمد المسيري الباحث المختص بشؤون مصر في منظمة العفو الدولية إن المنظمة على علم بما لا يقل عن 124 حالة وفاة في الحبس منذ بداية 2014 أغلبها بسبب "سوء أوضاع الاحتجاز" مثل ازدحام الزنازين أو عدم نقل مرضى للمستشفى أو حرمان مرضى من العلاج من أمراض مزمنة. وقال المصدر في مكتب المدعي العام إن اتهامات منظمة العفو لا أساس لها. وأضاف أن مكتب المدعي العام يجري تفتيشا مفاجئا للسجون ومراكز الشرطة للكشف عما إذا كانت الزنازين مكدسة أو سوء المعاملة. وفي مدينة الإسماعيلية كان محمود عبد الهادي موظفا كبيرا بشركة الكهرباء التابعة للدولة. ويقول أقاربه إن الشرطة داهمت منزله في الساعة الثالثة صباحا يوم 12أكتوبر عام 2013. واتهمت الشرطة عبد الهادي البالغ من العمر 58 عاما بتوزيع منشورات مؤيدة للإسلاميين في أعقاب الإطاحة بمرسي وهو اتهام نفته أسرته. ويقول ابنه عمرو وابنته أسماء إن عبد الهادي نقل إلى سجن المستقبل في المدينة دون أي إجراءات قانونية مثل التسجيل في قسم الشرطة. وشعرت الأسرة بالقلق بسبب قلبه الضعيف ولأنه أجريت له جراحة قلب مفتوح مرتين. وشارك عبد الهادي نحو 50 شخصا آخر زنزانة واحدة وكان بعض النزلاء يدخنون وكان هو ينام على الأرض. وبعد أسبوع فحصه طبيب في السجن. ثم نقل بعد ذلك بعشرة أيام إلى المستشفى العام في الإسماعيلية وفحصه طبيب أرسله إلى قسم العناية المركزة. وقالت أسماء "التقارير دي للأسف فقدناها. يعني كنا نعرفها من الدكاترة بس ومن المستشفى لكن ما كانش حد بيرضى خالص يدينا حتى صورة ولا احنا نقدر نصورها بالموبايل أو كده. كانوا بيرفضوا خالص." وامتنع مسؤول كبير في مستشفى الإسماعيلية ومسؤول محلي بوزارة الصحة عن التعقيب. وعرضت أسماء وعمرو على "رويترز" طلبات للإفراج الصحي أرسلتها الأسرة إلى السلطات القضائية والأمنية بما في ذلك وزير الداخلية ست مرات على الأقل بين أكتوبر تشرين الأول عام 2013 ومارس 2014. وقالا إنهما لم يتلقيا أي رد. وفي 19 نوفمبر 2013 أصيب عبد الهادي حسبما يروي الاثنان بأزمة قلبية في قسم العناية المركزة ودخل في غيبوبة ثم أصيب بأزمة قلبية ثانية في اليوم نفسه. وقالت أسرته إن فحصا بالأشعة السينية أظهر في 15 ديسمبر وجود مياه على رئتيه وأعيد إلى السجن. وفي فبراير أصيب عبد الهادي بحمى. وقالت أسماء إن والدها أخبرها في زيارتها الأخيرة للسجن في مارس أن زملاءه من المسجونين طالبوا السلطات بإحضار طبيب لعلاجه في الليلة السابقة. وأضافت أن حرس السجن دفعوا ممرضة لكتابة تقرير يقول إنه في صحة جيدة. ولم يعلق المصدر بمكتب النائب العام على حالة عبد الهادي لكنه قال إنه عندما يقدم طلب للعلاج الطبي فإن النائب يأمر بإجراء فحص للمريض "وإن تطلب الأمر يتم نقله إلى مستشفى خارجي بالتنسيق مع قطاع مصلحة السجون". وقال نزلاء آخرون في الزنزانة لأسماء إن والدها فقد وعيه بعد لحظات من خروجها وتم إرساله إلى المستشفى. وعلمت صباح اليوم التالي بوفاته. وقالت "صممت إن أنا أروح أشوف والدي. والدي كان خلاص دخل الثلاجة."