لا تتعجبوا من العنوان أو تندهشوا منه، فأنا أعني فعلا ما قرأتم "اختيار ملكة جمال من فتيات المقابر" إنها حقيقة وليست مزحة ثقيلة، بل تصريح جاءني منذ أيام على إيميلي الخاص من متحدثة بإحدى الحملات التطوعية التي يقال إنها تحمل على كاهلها الكشف عن مواطن الفساد والفشل والضعف الذي تشكو منه بعض المؤسسات الرسمية مما يجعل الإهمال هو صاحب الصوت الأعلى في المجتمع. فمن العيب فعلا أن تنطلق مثل هذه الدعوة التي تحمل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب ولا يشفع لها تلك الألفاظ الرنانة مثل:"الحملة قررت تنظيم مسابقة لملكة جمال البساطة وهذه المسابقة ستكون معنية بالفتيات اللائي يسكُنّ المقابر نظرا للظروف المعيشية وأكدت (...) أن معايير الاختيار تعتمد على قدرة الفتاة على التعليم وثقافتها رغم بساطتها فى معيشتها" عن أي ثقافة وأي بساطة بل وأي معيشة تتحدث؟ كان من الأولى حين نعرف نسبة سكان مصر من الذين يسكنون المقابر (من كل الأعمار) والتي تقترب من واحد على عشرة من العدد الكلي للسكان، أن نفكر كيف نساعدهم في تغيير هذا الواقع المزري الذي يعيشون فيه وننتشلهم منه أو على الأقل نخفف من وطأة مأساتهم الإنسانية والاجتماعية التي تجعلهم فريسة للأعمال غير المشروعة كالسرقة والتسول، وتجارة المخدرات. إن الأضرار النفسية التي تصيب سكان المقابر وخاصة الفتيات؛ لهو استهزاء كبير بهن، إذ كيف تشعر الفتيات بجمالهن أو تفكرن في إتمام تعليمهن إن كن يلتحقن بالتعليم من الأساس وهن وأسرهن في عداد المشردات البائسات، وبالتأكيد لم يخترن الحياة في هذا المكان الكئيب الحزين بإرادتهن، وإنما دفعهن وأسرهن الفقر وسوء الظروف. إن ما تعانينه من مشاكل كثيرة منها ما هو سيكولوجي واجتماعي كما قلت، لتحول مشاعر الأمان لديهن إلى الخوف الدائم من المجهول وما يحدث أمام أعينهن بين ردهات المقابر من أعمال عنف وجرائم، فالمقابر مآل اللصوص وتجار المخدرات والخاطفون، حيث يهرعون للاختباء فيها، علاوة على تهديدهم الدائم من أصحاب الأحواش والشرطة التي ترفض تواجدهم بهذا الشكل غير الشرعي. بدلا من المتاجرة بهذه الفئة من البؤساء .. لنسعى معا أولا لايجاد مساكن مناسبة لهم وتوفير تأمين صحي يحفظ لهم آدميتهم، وفرص حقيقية في التعليم المتكافئ والعمل، فلا يمكن أن أتخيل أن تكون هناك ملكة جمال تمتلك شخصية سوية تشعر بالجمال.. وهى تسكن بين المقابر وتسمع كل مساء مشاجرات اللصوص وفي الصباح ترى الموتى وهم يوارون التراب، فرفقا بهن يا أصحاب العقول!