استغلت الحكومة الأجواء التي تهيئها لإشاعة الأفراح بافتتاح قناة السويس الجديدة لتوجه ضربة مفاجئة للمواطنين في مسلسل رفع أسعار الطاقة، فقد رفعت أسعار الكهرباء بنسبة 19%، وحاولت تجميل صورتها وقراراتها بالادعاء أنها لم ترفع أسعار شريحة الاستهلاك المنخفض، ورفعت فقط أسعار شرائح الاستهلاك المتوسط والمرتفع. "مصر بتفرح"، كيف يكون ذلك هو الشعار الذي يرفعه الإعلام ابتهاجا بإنجاز القناة بينما السلطة تشوش على حالة الفرح بتعكير صفو حياة وجيوب المواطنين وخصوصا الفقراء لأن رفع الأسعار لن يجعل الفقراء ومحدودي الدخل في مأمن من نتائجه، وأي كلام عكس ذلك هو أوهام تروجها السلطة بأن رفع الأسعار وإصلاح منظومة الدعم ليصل إلى مستحقيه في صالح الفقراء ولن يؤثر عليهم، هذا كلام نظري على الورق وفي الخطط الحكومية والتصريحات الرسمية - أو هو تمنيات من باب إحسان الظن بما يُقال - لكنه على أرض الواقع غير دقيق، فالفقراء أكثر المتضررين من أي ارتفاعات في الأسعار، ومن أي خفض في الدعم لأجل توفير عدة مليارات لعلاج عجز مزمن في الموازنة، هذا لا يعني أننا ضد إصلاح منظومة الدعم، لكن حقيقة لانرى إصلاحا علميا بقدر مانرى توجها لخفضه تدريجيا وتحميل المواطن أعباء الحياة كاملة، وحتى نكون منصفين فالدعم فعلا لايحصل عليه من يستحقونه، إنما يحصل عليه الغني مثل الفقير، لكن هذه ليست مشكلة المواطن، ولا مشكلة المواطن الغني أيضا، إنما مشكلة حكومية متواصلة وتبدو مستعصية حيث لم تستطع كل الحكومات ضبط بوصلة الدعم ولا وضع رؤية وخطة عادلة لتحديد من يستحقه ومن لا يستحقه ولا كيف يصل إلى المستحق فعلا، وها هو ملف الكهرباء ورفع الأسعار المتوالي فيه نموذجا لضبابية الرؤية ، ففي العام السابق حصلت الموجة الأولى من رفع الأسعار، وأمس الأول كان قرار الموجة الثانية، وفي المرتين يتضرر ويتأثر المواطن تحت خط الفقر، وفوقه وحتى صاحب الدخل المعقول، فهم يشكلون الأغلبية في المجتمع وهم ليسوا بمأمن كامل عن تداعيات ونتائج تحرير هذا القطاع والتخفيض التدريجي للدعم عنه، وذلك لأنه ليست هناك رؤية واقعية تفرز شرائح المجتمع وفق مقاييس عادلة، وشرائح استهلاك الكهرباء كمقياس للصعود التدريجي بالأسعار ليس عادلا بما يكفي، لأن استهلاك الكهرباء لا يعرف مواطنا عاديا من آخر ثري، فكل استخدمات الكهرباء يحتاجها اليوم جميع المواطنين بعد أن صارت الكهرباء حاجة أساسية للكل وبعد أن صارت الأجهزة الكهربائية أو التي تعمل بالكهرباء حاجة أساسية في كل بيت بغض النظر عن درجة تواضعه ودرجة تحضره وبغض النظر عن مستوى فقره أو ثراءه. المؤكد أن الموازنة المرهقة تتحمل أعباء كبيرة في دعم الطاقة، ومن الواجب أن تفكر الحكومة في تخفيف هذه الأعباء وتقلصها لكن بما لايمس أوضاع معيشية واجتماعية قاسية لشرائح كبيرة في المجتمع وخصوصا في تلك الفترة التي تتزايد فيها مصاعب الحياة وترتفع أرقام البطالة ويصل الغلاء مرحلة مخيفة ويقترب مستوى الحياة من مستوياتها في بلدان خليجية وغربية ،ونقصد مستوى تكاليف الحياة وليس مستوى الدخول، تكاليف الحياة في مصر تتساوى أو تكاد تقترب من بلدان غنية، ودخول مواطنيها مرتفعة مقارنة بدخول غالبية المصريين المتدنية. وفي سياق المقياس غير العادل في توزيع الدعم أشير إلى تجربة ناجحة حتى الآن، وهى منظومة الخبز الجديدة، وهى رؤية قديمة لكن وجدت طريقها للتنفيذ في الحكومة الحالية، وهى ساعدت في تحسين مستوى الخبز ورفع جودته وجعله طعاما آدميا وساهمت في إيقاف تهريب الدقيق وإزالة سوق سوداء صنعتها المخابز، هذا جيد وبداية معقولة واستمرار نجاحها مرهون باستمرار الجدية في تطبيقها مع تطويرها باستمرار، والمليارات التي تم تخفيضها من دعم الخبز استفادت بها الحكومة، لكن المواطن الفقير لم يستفد كثيرا من زاوية أن رغيف الخبز المدعم نقديا الذي يحصل عليه يحصل عليه أيضا أي مواطن ثري ليس في حاجة لهذا الرغيف المدعم، الاثنان يحصلان على نفس الرغيف من أي مكان، لم يستفد المواطن محدود الدخل بينما المستفيد الأكبرهو ميسور الدخل وحتى من يملك الملايين، هنا الخلل الذي نتحدث عنه والذي لابد من علاجه في كل القطاعات المدعومة والتي انتهجت الجكومة سياسة الخفض التدريجي للدعم فيها وهو كيف يصل كل جنيه في الدعم إلى المستحق له بالفعل. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.