لماذا "قانون الإرهاب" الآن؟!.. فالإرهاب كان موجودًا في التسعينيات (1992 – 1998).. وتمت هزيمته سياسيًا "المراجعات" وليس بالعضلات، واختفى تمامًا في "ربيع" مصر القصير: أثناء ثورة يناير وما بعدها ولم تقع إلا حادثتان في عهد مرسي الأولى خطف جنود، وتم تسويتها سلميًا بالتفاوض، والثانية مقتل 16 جنديًا في حادث "غامض" برأت محكمة النقض مؤخرًا المتهمين فيها "حبارة". والملاحظ هنا أن تراجع العمليات الإرهابية، كان في الوقت الذي شهد انفلاتًا وفوضى أمنية، واختفاء الشرطة تقريبًا من الشوارع.. واللافت أكثر أن الإرهاب في ذات الفترة تراجع عالميًا ولم تسجل خلالها أية حادثة عنف تشبه في وحشيتها ما يجري حاليًا، في مصر وفي محيطها الإقليمي وفي بعض العواصمالغربية.
هذه الفترة "الربيع العربي".. قطع الطريق على جماعات العنف، وسحب منهم مسوغات ومبررات عسكرة الحركات الاحتجاجية: حيث سقطت الديكتاتوريات، وأودع سدنة التعذيب السجون، وأحيل حيتان الفساد إلى المحاكمات، وفتحت طاقات غير مسبوقة للأمل وتحول إسلاميون لهم تاريخ في العمل الجهادي المسلح إلى الانخراط في الأنشطة السياسية السلمية وتشكيل الأحزاب وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. يعني لم يعد لأحد حجة أو مبرر لحمل السلاح ضد الدولة. بعد 30 يونيو.. وانعطافها الخطير من مطالبها الأساسية "انتخابات رئاسية مبكرة" إلى عزل الرئيس المنتخب بالقوة.. وما تلاها من مواجهات دموية وتصفية مؤيدي الرئيس المعزول، بالرصاص الحي في الشوارع والميادين، ومع سن تشريعات قمعية أماتت تقريبًا السياسة نهائيًا، وحل محلها القمع الأمني والمطاردات القضائية، وإطلاق سراح مبارك ورجاله، وإيداع قادة ثورة يناير ورموزها السجون والمعتقلات، سدت بذلك كل أبواب الرحمة والأمل أمام أحلام وأشواق الشباب، الذين شعروا بأن ثورتهم سرقت مرتين.. ولم يعد باب لممارسة السياسة إلا وأغلقته سلطة ما بعد 3 يوليو بالضبة والمفتاح.
في غضون ذلك تنامت بالتدرج الأعمال الإرهابية، وتوسعت وباتت أكثر جرأة على الدولة وعلى الجيش والشرطة والقضاء.. وتطورت لاحقًا إلى اغتيالات سياسية من الوزن الثقيل "اغتيال النائب العام" وذلك في القاهرة المحصنة والأكثر أمنًا.. فيما شهدت سيناء البعيدة هجومًا ل"داعش" للسيطرة على مدن ومقار أمنية، بهدف رفع أعلامه عليها، واعتبارها مناطق "محررة" وذلك قبل أن يستعيد الجيش سيطرته على الوضع بعد يوم كامل من المواجهات العنيفة والشرسة.
الإرهاب إذن اختفى مع تجربة "المصالحة المراجعات" في عهد مبارك، واختفى تمامًا مع ثورة يناير وما بعدها.. ثم عاد مع عودة القمع والدولة الأمنية ومصادرة كل مكتسبات الثورة، واستسهال قرارات الاستباحة والمواجهات الدموية والعدمية مع المعارضة. وكلما تفشل الدولة في معالجة الإرهاب.. فإنها تمارس الشوشرة على فشلها، بتعليقه في رقبة مقولة إن "القوانين غير كافية".. رغم أن التجربة أثبتت أن الإرهاب في علاقة "طردية" مع قمع الدولة وانتهاكات السلطة لحقوق الإنسان.. ولا تعالجه القوانين الاستثنائية.. ولكن باحترام آدمية المواطن وحقوقه السياسية والمدنية وضمانات بمحاكمات عادلة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.