من التقاليد الموروثة عن الديكتاتوريات التي تعاقبت على حكم مصر، اختزال الدولة أو الجيش في شخص الرئيس.. وهو تقليد يستهدف ردع كل مَن يقدم، على نقد الأداء السياسي لرئيس الجمهورية.. فإذا انتقد الأخير فأنت "تهاجم" مصر وذلك في وقت السلم، وتهاجم الجيش وذلك وقت المواجهات العسكرية.. وفي الحالتين فأنت "خائن" و"عميل" و"قابض" من قطر وتركيا.. وطابور خامس للأمريكان والصهاينة!! وعبثًا تحاول إقناع المزايدين من أصحاب الأصوات الزاعقة والمتزلفة للسلطة، بأن الرئيس ليس هو مصر ولا هو الجيش.. وعليك أن تبلع لسانك وخلفه عشرات البيادات الميري! بل إن غالبيتهم يعطون الأولوية للرئيس على الجيش وعلى الدولة.. وفي ظل هذه المزايدات الرخيصة، يسوقون لفكرة أن كل معارض "عدو" للبلد ولجيشها الوطني. وفي هذا السياق، فإنه من الضروري التأكيد على الفارق بين أن نصطف خلف الجيش وبين أن نختلف مع الرئيس، وننتقد سياساته. فلا يوجد على سبيل المثال حياد في معركة الجيش ضد الإرهاب.. فالاصطفاف خلف القوات المسلحة في تلك المواجهات، مسألة لا يمكن أن تكون محل جدل ونقاش وخلاف؛ لأنها في منزلة الثابت المطلق في الضمير الوطني العام، وليس هناك أي بديل آخر، غير أن ينتصر الجيش في هذه المواجهات، ولا يمكن بحال أن يكون الإرهاب بديلاً عن الدولة.. فالإرهاب مشروع معاد لفكرة الدولة التي ننشدها: مؤسسات منتخبة وديمقراطية وتداول سلمي للسلطة. هذه مقدمة مهمة.. ولا يعني اصطفافنا خلف قواتنا المسلحة، أن نصطف خلف الرئيس، بل سننتقده حال خالف القانون والدستور.. أو انتهكت أجهزته الأمنية أعراض وحرمات وحريات الناس.. الرئيس منصب سياسي مدني وليس ثكنة عسكرية مكتوبًا عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، أو النقد والمحاسبة. منذ يوم أمس الأول 4/7/2015، والإعلام الموالي، يحتفي بالسترة العسكرية التي ظهر بها السيسي في زيارته لمواقع عسكرية في شمال سيناء.. وظلت الفضائيات المتزلفة وليومين متتاليين وهي تتكلم عن الأسرار الخفية والدلالات العبقرية والتجليات الإلهية.. والرسائل القوية التي أبرقتها "بدلة" الرئيس العسكرية!! حملة ممنهجة لتقديس الرئيس، وتعزيز عصمته، وحمايته من المسألة في وقت باتت مساءلته من مقتضيات الأمن القومي.. نحن لا نرى في المشهد إلا الرئيس فهو يجمع في يده السلطتين التشريعية والتنفيذية.. يفعل ما يشاء في البلد بدون رقيب ولا حسيب. فلا يوجد برلمان منتخب يمارس الرقابة على أداء السلطة التنفيذية التي على رأسها السيسي.. فمن يحاسب الحكومة ومَن يحاسب الرئيس إذن؟! هذا الوضع الذي نعيشه الآن.. وفي هذا المنعطف التاريخي الخطير.. يبين لنا مدى "الجريمة" التي يرتكبها الإعلام المتزلف في حق البلد ومستقبله وسلامه وأمنه القومي.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.