عقب مرور عامين على ذكرى 30 يونيو وما شهدته البلاد من أحداث تخللتها ظهور عدد من القوى السياسية والأحزاب المؤيدة لبيان القوات المسلحة؛ حيث أعلن فيه عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى وتعطيل العمل بالدستور، وحيث لم يتبق من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إلا حزب النور على الساحة السياسية فقد ظل فى نظر الكثيرين من الأحزاب المعادية للتيار الإسلامي أحد أذرع الإخوان في السياسة. وقبل ساعات من النطق بحله كحزب تم تأسيسه بالمخالفة لقانون الأحزاب على أساس ديني والذي كان أمامه ثلاثة خيارات، قبل 3يوليو بأيام الأول، أن يؤيّد خارطة الطريق، ويدخل في اللعبة السياسية، ويحاول العمل من الداخل على حماية مكتسبات الهوية في الدستور، والثاني، أن يذهب باتجاه الطرف الآخر ويدخل في صدام مع السلطة، ويشارك المصير مع إخوانه الإسلاميين الآخرين، والثالث، أن ينعزل عن اللعبة السياسية ويعود إلى قواعد الدعوة والتربية، وهو ما قد يؤدّي إلى نتائج سلبية، ويخلّي المشهد السياسي للقوى العلمانية، وربما يدفع الثمن لاحقًا مع عدم وجود حضور قوي له في المشهد السياسي، فاختار المسار الأول، أي الانخراط في العمل السياسي. واختار الحزب عدم الانحياز إلى جماعة الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب السلفية الأخرى، وفضّل الذهاب إلى اجتماع القوى السياسية والدينية مع المؤسسة العسكرية وكان حينها السيسي لا يزال وزيرًا للدفاع. وبحسابات المكسب والخسارة، يرى بعض المتخصصين، أن خيارات الحزب على الرغم من أنه وليد ولم يسبق للتيار السلفي ممارسة السياسية، كانت أفضل من خيارات الإخوان المسلمين، وأكدوا أن المكاسب التي نالها الحزب جراء مواقفه، الحفاظ على التماسك الداخلي والنجاة من مقصلة الدولة للأحزاب الداعمة لمرسي، فضلا عن الحفاظ على التاريخ الدعوي للدعوة السلفية، وتجنب الشباب جدلية السلمية والعنف، وعن بعض الخسائر التى لحقت بحزب النور عقب إعلان الموقف من عزل محمد مرسي، وانسحاب بعض الأعضاء من المحافظات من الحزب، واعتراضهم على عمليات القتل والاعتقالات، وقبلها عزل مرسي من الحكم. ورأى الخبراء والمراقبون، أن حزب النور أدرك أنه لا يمكن للحركة الإسلامية في مصر الصدام ومواجهة المؤسسة العسكرية، أنّ حزب النور بني رؤيته للتعامل مع تلك المرحلة من خلال المزاوجة بين مواقفه الأيديولوجية الصلبة في قضايا الهوية والشريعة الإسلامية فى التعامل مع التحول في موازين القوى، بالاعتراف بالواقع السياسي الجديد وهذا ما كان الحزب يحاول أن يتجنبه واختار الانخراط في خارطة الطريق، وشارك في الاجتماع الذي أعلن فيه وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي عن تفاصيل هذه الخارطة، معلّلًا ذلك بمعادلة المصالح والمفاسد، ويخرج بيان للدعوة السلفية بعد لقاء السيسى يقول “ليس هذا خذلانًا للمسلمين ولا لوليّ الأمر المسلم، بل تقليلًا لخسائر الدين والدنيا وجلبًا لأعظم المصلحتين ودفعًا لأكبر المفسدتين بعد أن وصلت البلاد إلى حافة الهاوية ومن أجل ذلك كان حضورنا اجتماع “المجلس العسكري” مع الرموز الدينية والسياسية”. من ناحية أخرى، شهد حزب النور تحولاً جذريًا فى موقفه الذي أيد أولوية الأمن والاستقرار والوحدة على قضايا الديمقراطية والحريات، وهو ما ينسجم مع طبيعة الفكر السلفي، الذي يتجنب، الصدامات السياسية والمسلّحة، خوفًا من “الفتنة” أو الفوضى ومن الدماء، فبالرغم من إصراره في مرحلة ما قبل 30 يونيو على شرعية مرسي، إلاّ أنّه تخلّى عن ذلك مباشرةً بعدما تغيرت موازين القوى، ورفض المسيرات والمظاهرات المعارضة لخارطة الطريق، ودخل في مواجهة مع الإخوان وأغلب أطياف الإسلام السياسي الأخرى. وفى السياق ذاته، قبل حزب النور المشاركة في لجنة الخمسين لإعادة صياغة الدستور المصري، بالرغم من تأييده للدستور السابق، وتحفظه على أن تقوم لجنة معيّنة بتعديل دستور اللجنة منتخبة وحظي بالقبول بالاستفتاء الشعبي، إذ وازن بين استنكافه عن المشاركة في اللجنة وإصراره على عدم تعديل الدستور ما قد يؤدّي إلى إقرار دستور جديد، والاستفتاء عليه، وخسارة الحزب للمكتسبات التي حقّقها في الدستور السابق، فدخل في اللجنة ودخل في نقاشات حادّة وكبيرة مع أعضائها حول المواد التي يرى أنّها تمسّ الهوية والشريعة الإسلامية، فنجح في الحفاظ على بعض هذه المواد، بينما فشل في أمورٍ أخرى، ومع ذلك خرجت الدعوة السلفية لتعلن موقفها بالتصويت بنعم في الاستفتاء على الدستور.