الأسوأ لم يأت بعد ، كان هذا خلاصة تعليقات لبعض التحليلات الإسرائيلية والأمريكية عقب الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الشيخ زويد في سيناء قبل أيام ، وهي الأحداث التي أفزعت العالم فعلا ، كما أفزعتنا هنا في مصر ، بالنظر إلى ضخامة المعركة نسبيا واستمرارها لساعات طويلة ، وما تردد من أن داعش كانت تريد السيطرة على بعض المقار الأمنية لرفع علمها واعتبارها مناطق محررة لها ، والانطباع الذي بنيت عليه تلك التحليلات أتى من كون المتوالية التي تسير بها عمليات التنظيم الإرهابي تشير إلى أن عنفه في تصاعد ، فكل حادثة هي أسوأ مما قبلها وأكثر خطورة وأكثر جرأة أيضا ، كما أن كمية السلاح التي استخدموها في المعركة الأخيرة ونوعيته التي أذهلت محللين عسكريين مصريين ، تكشف عن أن جهات ذات نفوذ تمد هذا التنظيم بسلاح متطور فعلا ، كما أن التنظيم يملك عناصر مدربة قادرة على استخدام هذه النوعية من السلاح المتطور ، وهو ما يجعل توقعات الكثيرين للمستقبل أكثر خطورة ، وهناك ما يشبه الإجماع على أن هذه العملية لن تكون الأخيرة بكل تأكيد . هذا الخطر ، قلنا ونؤكد على أنه لا يهدد نظام السيسي فقط ، بل يهدد مصر كلها بالفعل ، وهذا التنظيم يكفر السيسي ومرسي معا ، كما يهدد إسرائيل وحماس معا ، ويسب الأمريكان والسعوديين معا ، ويتوعد السنة والشيعة معا ، هو حالة جنونية بالفعل تمثل خطورة على أي مجتمع تتشكل فيه خلاياه ، وبالتالي فقد كان ظهوره وتطوره بهذه الدرجة المقلقة أدعى للتنادي إلى الاصطفاف الوطني ، باعتبار أن القضية أصبحت فوق أي خلاف سياسي ، ولكن المشكلة هنا أن من يدعون إلى الاصطفاف الوطني يوجهون نداءهم إلى القوى الشعبية والوطنية ولا يوجهونه بالقدر نفسه إلى السلطة والنظام السياسي الحاكم ، رغم أن بداهة الأمور ومنطق أي تصور سياسي أن هذا الاصطفاف هو نقطة التقاء وسط بين السلطة والمعارضة ، بين النظام وخصومه ، يتسامى فيها الطرفان على أي سلوك أو ممارسة تعزز القطيعة أو الشقاق أو سوء الظن ، استشعارا لخطر أكبر وأولى بالمواجهة وتوفير الطاقات الوطنية . مع الأسف ، فالرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته لم تتخذ أي خطوة تذكر تجاه الاصطفاف الوطني ، ولم تتحرك أي مسافة سياسية تشجع معارضيها على الالتقاء في منطقة وسط ، من أجل الوطن كل الوطن ، بل إن الممارسات السياسية والتشريعية والإعلامية القائمة كأنها تتعمد إعاقة هذا الاصطفاف وتحطم أي جسور مؤدية إليه ، فالسلطة مشغولة حتى النخاع بوضع التشريعات التي تكمم الأفواه ، وتحاصر أي معارضة سياسية مهما كانت درجتها ، وتسحق أي صوت ينتقد أخطاء أو ممارسات من أي نوع ، وتطلق يد الأمن في استباحة الجميع ، ويكفي ما حدث مع لاعب كرة القدم السابق بنادي الزمالك ، الشاب أحمد الميرغني الذي انتقد أخطاء التقدير في مواجهة الإرهاب فقوبل بحملة تنكيل مروعة وفسخ تعاقده مع ناديه وطرده للشارع وحملة إعلامية من أصوات معروفة بعلاقاتها بالأجهزة الرسمية وشتائم علنية على الشاشات مشينة وعنصرية ، مما أحدث انتفاضة سياسية واسعة متضامنة معه ، وتوسيع للصدع والخلاف بين القوى الوطنية والنظام ، وأنا هنا أتحدث عن القوى الوطنية الأخرى غير الإخوان وأنصار مرسي ، لأن المصالحة مع هذا القطاع من الواضح أن أفقها مسدود في الفترة الحالية ، ولكن المشكلة أن النظام يسد أفق أي تلاقي مع القوى المدنية المعارضة على اختلاف أنواعها ، وكأنه يكتفي بالاستئناس بالأصوات الإعلامية الزاعقة والرخيصة التي تريق ماء وجهها في النفاق السياسي السخيف والمهين للإعلام المصري كله . نعم للاصطفاف الوطني في اللحظات الحرجة التي تواجه الوطن ، ولكن لهذا الاصطفاف شروط ، كما أنه مثل التصفيق ، لا يمكن أن يحدث إلا باستخدام اليدين .