قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن سب الصحابة -رضوان الله عليهم وإهانتهم والإساءة إليهم -مُحرَّم تحريمًا قاطعًا، وهو من كبائر الآثام والذنوب، مدللاً على ذلك بنصوص من القرآن والسنة. ودلل في حديثه اليومي الذي يذاع على الفضائية المصرية قبيل الإفطار بالآية الكريمة: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" سورة التوبة: 100. وقال إنه "يفهم من الآية أن الصحابة معدلون من الله سبحانه وتعالى، ومَن يعترض على أن الآية لم تتحدث عن هذا صراحة، نقول له: إنه يلزم مما ذكر فيها أن يكونوا عدولًا، ويجب أن نفرق بين الدلالة اللفظية للكلمة، ودلالتها بالالتزام". وتابع: "فمثلاً: دلالة لفظ اثنين على واحد زائد واحد، يساوي اثنين، يُسمى دلالة لفظية، لكن دلالته على أن هذا العدد زوجي يسمونها دلالة الالتزام، والقرآن الكريم حين قال: "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" ووصفهم بهذا يلزم منه بالضرورة أن يكونوا عدولا، فلفظ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" يدل على شيء، لكن يدل بالالتزام على العدالة، فالعدالة لازمة على كل حال". واعتبر أن "المغامرة بسب الصحابة هي مغامرة تصل إلى حد تكذيب القرآن الكريم، وللأسف الشديد بعض الفرق المنحرفة تقول بردة الصحابة -والعياذ بالله- أو تقول بخيانتهم لله ورسوله، واغتصابهم للخلافة من سيدنا علي –رضي الله عنه". واستدرك الطيب: "لحسن الحظ فإنني سمعت عددًا من الفضلاء من علماء الشيعة يتبرؤون من هذه الأقوال ولا يرضونها؛ لكننا نعاني من بعض الغلاة الذين يبشرون بالتشيع بين طبقات الشعب ذي الثقافة الإسلامية المتواضعة، وأوّل ما يبشرون به، هو أن عمر وأبا بكر ظلما عليًا، ثم بعد ذلك تنسال الشتائم والإساءات والإهانات للصحابة، حتى وصل الحد ببعضهم بالقول- حين وجد الأحاديث الصحيحة تقول: إن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- من المبشرين بالجنة، قال: هل الجنة (زريبة) حتى يدخلها أبوبكر وعمر، وهذا الكلام لا يصدر من عالم ولا مثقف، بل من إنسان حاقد على الصحابة الكرام، ومن إنسان منحرف في عقيدته". وشدد شيخ الأزهر على أن "سب الصحابة منهيٌّ عنه أيضا بنص الأحاديث الصحيحة، والتي منها قول الرسُول صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"". وذكر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بالاستغفار للصحابة والصفح عنهم فيما قصروا فيه بحقه، ومشاورتهم فيما لم ينزل فيه وحي، في قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" آل عمران159- يعني: فاعف عنهم فيما قصروا فيه مما يختص بك، واستغفر لهم فيما يختص بحق الله تعالى. ونقل عن السيدة عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- التي عاصرت مقتل سيدنا عثمان، وعهد سيدنا علي -رضي الله عنها قولها: " أُمِرُوا بِالاسْتِغْفَارِ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَبُّوهُم"؛ لأن سبهم قد آذاها، وهي تشير بقولها هذا إلى قوله تعالى في سورة الحشر (آية10): {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. وذكر الطيب أن هذه الآية دليل على وجوب الإحسان والاستغفار للصحابة؛ لأن المولى -سبحانه- جعل لمَنْ يأتي بعدهم حظًّا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأنَّ مَن سبهم أو واحداً منهم أو اعتقد فيه شراً؛ لا حق له في الفيء، قال مالك: "من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}"، وبهذه الآية يستدل على أن الأجيال التي تأتي بعد المهاجرين والأنصار مأمورة بالإحسان والاستغفار للصحابة من الفريقين، وهذا يقتضي حرمة سبهم ولعنهم والإساءة إليهم.