كان يوما كابوسيا منذ صباحه الباكر ، كان لسان حالنا طوال اليوم هو : يا رب الطف بمصر ، كان واضحا أن العمليات العسكرية التي تفجرت في شمال سيناء وخاصة في الشيخ زويد ليست ككل العمليات السابقة ، كان نشطاء من أهل المنطقة يرسلون أخبارا قصيرة مروعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي حاولنا أن لا نصدقها ، لكن بعض الشبكات الإخبارية الدولية تتابعت في تأكيد معظمها ، كان من الواضح أن الجماعات الإرهابية قد أعدت وخططت لهذه العملية بشكل محكم ، لدرجة أنهم لغموا الطرق لمنع الإمداد عن الكمائن والقوات التي هوجمت غدرا ، كنا نشعر بغصة ونحن نسمع مسئولا أمنيا مجهولا يقول لوسائل الإعلام الرسمية أنهم يحاولون فك الحصار عن أبنائنا الجنود والضباط المحاصرين في قسم الشيخ زايد ، محاصرين ، ونحاول أن نفك حصارهم ، هل وصلت الأمور إلى هذا الحد ، كانت أخبارا مروعة ، كما أن العملية لم تكن خاطفة ، بل طالت لساعات طويلة ، حتى نجح الجيش في استعادة زمام المبادرة وملاحقة المسلحين وقتل العشرات منهم . الحالة في سيناء لها وضع استثنائي ، وخاصة في شمال سيناء ، لأن كمية السلاح بيد التنظيمات المتشددة غير معقولة ، وكثافة الذخيرة التي يستخدمونها تقول بأنهم لا يخشون نفاذها ، فمن أين تأتي هذه الذخيرة وذلك السلاح ، هذا أمر محير ، وقد نجح الجيش في قطع أي صلة مع قطاع غزة ، بالسيطرة الكاملة على المعابر في رفح والأنفاق وأنجز عازلا بطول الحدود ، كما أن طبيعة العمليات القتالية التي تجري والتخطيط والأداء يؤكد أننا أمام محترفين وليس مجرد هواة ، بما يعني أنهم خضعوا لتدريبات عالية المستوى ، فمن أين أتتهم تلك التدريبات ، والأخطر هو أن العمليات تزداد عنفا وفداحة عما سبقها . بقدر ما يغشانا الغضب من أمور كثيرة في الوطن ، والسياسات التي تجري ، والأخطاء التي تتوالى ، وسوء التقدير الذي لا يمكن تجاهله والحساب عليه ، إلا أن هذا لا يمكن أن يلهينا عن المبدأ الأساس في مثل تلك الظروف الخطيرة التي يواجهها الوطن ، وهو أن لا موقف وسط لأي مصري بين جيشنا وبين الإرهاب ، ولا بد أن يحظى الجيش بكامل الدعم والعون المادي والمعنوي في تلك المعركة تحديدا من كل أبناء الوطن ، لأنها المعركة الخارجة عن أي حسابات أو خلافات ، والشهداء الأبرار من أبنائنا الضباط والجنود الذين ضحوا بأرواحهم في تلك المعركة العنيفة لا يخوضون هناك معركة السيسي وإنما معركة الوطن ، وسيخوضونها مع غيره ، من قبله ومن بعده ، حتى يأذن الله بخروج مصر من هذه الطاحونة العمياء . هناك الكثير من الكلام الذي كان يجب أن نقوله الآن ، وتحديد المسؤوليات ، ومحاسبة كل من أخطأ أو قصر ، ولكن الجرح مفتوح وحي ، وسيأتي وقت المكاشفة فيه ، ولكني أتمنى بشكل عاجل أن لا تندفع الدولة في هذه الموجة العصبية من ردود الفعل التي يؤججها البعض ، لأن ردود الأفعال العصبية والمتشنجة تولد أخطاء أكثر ، مصر بحاجة الآن إلى العقل والحكمة والتأمل ورؤية الخبراء الحقيقيين في مجمل أزمات الوطن ، في حاجة لصوت العقلاء الناصحين ، وليس أثرياء الحروب والفتن والأصوات الزاعقة المتاجرة بجروح الوطن عبر شاشات الفضائيات ، والسيسي مطالب الآن بالاستماع جيدا لأصوات معارضيه حتى قبل مؤيديه ، وعليه أن يوقف أي تهور أمني من أي نوع لأن هذا يضره ضررا سياسيا فادحا ويعقد الواقع أمامه أكثر ، ولا بد من الانتباه إلى خطورة أي فعل أو قانون أو إجراء أو سلوك سياسي الآن يعزز من الانقسام الوطني ويوسعه ، هذا يخدم الإرهاب ولا يحاصره كما يتخيل البعض ، الذين تعلوا أصواتهم بتشديد القوانين وإعلان حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب يتجاهلون أن حالة الطوارئ معلنة بالفعل في شمال سيناء منذ تسعة أشهر ، وما زال الإرهاب مستمرا بل ويتوسع بالرغم من وجودها ، فليس بالطوارئ وتشديد القوانين نواجهه ، بل الطوارئ وقسوة التشريعات تخدم الإرهاب وتساعده معنويا وسياسيا بقدر ما تضعف الاصطفاف الوطني وتوسع من دوائر الغضب وتحشد المزيد من المعارضة للنظام السياسي القائم . رحم الله شهداء الوطن من الضباط والجنود في معركة اليوم القاسية ، وربط على قلوب أمهاتهم وآبائهم وأهليهم وألهمهم الصبر والسلوان وعوضهم خيرا ، ولطف بمصر وشعبها ، وجعل غدها أفضل من يومها .