عنف غير مبرر، قتل أبرياء، استباحة الدماء، تعدٍ على حرمات البيوت، سلاح يمطر على مصر، فوضى غرقت فيها البلاد، عقب أحداث عدة طرأت على مصر، منذ فترة عدم الاستقرار التى شهدتها، فكان من السهل على الجماعات الإرهابية، وضع يدها على أصعب الأماكن تضاريسيًا، حتى يمكن لهم الاختباء، ورغم أن القوات المسلحة بذلت جهودًا كبيرة فى تلك الفترة إلا أن حالة الفوضى سهلت على الإرهابيين نقل السلاح وأفكارهم، وتمامًا كالورم السرطانى تفشت الظاهرة، حتى جاء يوم الحسم فى يوليو 2013، الذى أعلنت الرئاسة فيه الحرب على الإرهاب والتى مازالت مستمرة لعامها الثالث على التوالي، رغم إيجابياتها، إلا أن المصطلح فى حد ذاته، منذ ظهوره قديمًا يختفى وراءه الكثير، فهل يكن فى مصر، الحرب على الإرهاب حجة للتضييق على الحريات والتهجير وما إلى ذلك، أم أن ظاهره تمامًا كباطنه. مُصطلح ملتوٍ
«الحرب على الإرهاب» لم يستخدمه الكثيرون بمعناه الحقيقى بوأد الإرهاب، المعروف أنه عمل إجرامى غير مبرر، لكن اتخذ المسمى بأشكال ومعانٍ وأغراض مختلفة ففى ظاهره قضية وغالبًا يكون باطنه كيدًا أو سلاحًا ذا حدين، فخلال العقود الماضية استخدم مصطلح الإرهاب لأول مرة فى عام 1795 واستعملت الكلمة لوصف أساليب التى استخدمتها المجموعة السياسية الفرنسية بعد الثورة الفرنسية، وكانت هذه الأساليب عبارة عن إسكات واعتقال المعارضين لهذه المجموعة السياسية التى كان لها دور بارز فى الثورة الفرنسية، حيث كانت توجهاتها معتدلة فى البداية ولكنها بدأت تنحو منحى يساريًا بعد الثورة. فى بدايات القرن العشرين كانت كلمة الإرهابى تستخدم بصورة عامة لوصف الجهات أو الأشخاص الذين لا يلتزمون بقوانين الحرب أثناء نشوب صراع معين مثل تجنب الاستهداف المتعمد للمدنيين ورعاية الأسرى والعناية بالجرحى، وكان التعبير يستخدم أيضًا لوصف المعارضين السياسيين لحكومة معينة، وكانت كلمة إرهابى ذات معانٍ إيجابية من قبل المعارضين، وأقدم ذكر لهذه الكلمة مدونة فى سيرة «فيرا زاسوليج» كاتبة ماركسية، قامت باغتيال الحاكم العسكرى لمدينة «سانت بطرسبرغ» عام 1878، لأسباب سياسية وقامت بإلقاء مسدسها وتسليم نفسها قائلة «أنا إرهابية ولست بقاتلة» وكانت «زاسوليج» عضوة فى مجموعة كانت تسمى لا سلطوية وكانت المجموعة معارضة لحكومة روسيا القيصرية. «الحرب على الإرهاب» باطنه غالبًا عكس ظاهره أما عن أول مرة أطلق فيها المصطلح «الحرب على الإرهاب»، ففى الأربعينيات استخدم لأول مرة من قبل سلطات الانتداب البريطانى فى فلسطين أثناء الحملة الواسعة التى قام بها للقضاء على سلسلة من الضربات التى استهدفت مدنيين فلسطينيين والتى كانت تقوم بها منظمتا «أرجون» و«شتيرن» فقامت القوات البريطانية بحملة دعائية واسعة فى الجرائد قبيل الحملة وأطلقوا عليها الحرب على الإرهاب، لكن انتشارها بشكلٍ فج فى نهاية السبعينيات حيث كان التعبير مكتوبًا نصًا على غلاف مجلة «التايم» فى عام 1977 وكان عنوانًا لمقال رئيسى عن المعارضين أو ما أسماهم المقال «اللاسلطويين»، كانوا معارضين سياسيين لحكومات الاتحاد السوفيتى وبعض الحكومات الأوروبية. وأعيد المُصطلح حديثًا، لكن فى باطنه، ما لا يحمد ولا يسر فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، اهتز العالم، بسبب ما حدث من تغييرات على المعنى الدقيق للإرهابى واستخدم المصطلح لوصف حملات متعددة الأوجه على الأصعدة الإعلامية والاقتصادية والأمنية والحملات العسكرية التى استهدفت دولاً ذات سيادة، وحتى الآن تدور حرب فى أفغانستان، على إثر تلك الأحداث بحجة الحرب على الإرهاب، بعد أن أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عن تلك الأحداث، وأصبحت محورًا مركزيًا فى سياسة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، داخليًا وعالميًا وأدت إلى قفزة وصفها العديد بالخطيرة وغير المسبوقة فى التاريخ لكونها حربًا غير واضحة المعالم وتختلف عن أية حروب لتعدد أبعادها وأهدافها، وزُعم تخلى الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما عن هذا المصطلح، إلا أن التحالف الذى شكل لضرب داعش فى سوريا والعراق، يضرب تحت مسمى الحرب على الإرهاب، وظل ظاهره أحيانًا بعيدًا عن باطنه. فى مصر.. الحرب على الإرهاب فعن مصر ليس تشبيهًا، بل ضرب مصر الإرهاب الأسود فى منتصف عام 2012، والذى كانت أقسى بداية له بعد الهجوم على الجنود المصريين فى رفح فى رمضان 2012، والذى راح ضحيته 16 ضابطًا ومجندًا مصريًا، تضاربت الأقوال عن هوية منفذى تلك العملية، إلا أنّها سببت رد فعل قويًا من الجانب المصرى فى أكبر عملية عسكرية حدثت فى سيناء منذ تحريرها وهى «العملية نسر» وغيرها من العمليات التى أعلنت عن نجاحها القوات المسلحة. وشهدت العمليات الإرهابية تصعيدًا عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى فى يوليو 2013، وردت القوات المسلحة بأكثر من 30 هجمة وتمت تصفية عدد كبير من التكفيريين، وكان فى ذلك الوقت يعتصم عدد كبير من جماعة الإخوان فى اعتصامى رابعة والنهضة، والذى قال الدكتور محمد البلتاجي، خلال تواجده فى الاعتصام، أن كل ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى يتم عودة مرسى للحكم. وفى يوم 27 يوليو، أطلق الجيش المصرى عملية «عاصفة الصحراء» فى محافظة شمال سيناء، واستمرت لمدة 48 ساعة بمشاركة اثنين من الجيوش الميدانية، والقوات الجوية والبحرية، وحظر الجيش كل الطرق والجسور والأنفاق المؤدية من شمال سيناء إلى محافظات أخرى من محافظات مصر. وبدأ الاستنفار وعملية التطهير للقضاء على بؤر الإرهاب فى سيناء فى العمليات الإرهابية، التى توالت حتى باتت سلسلة متصلة يقودها التكفيريون والإرهابيون ويروح ضحيتها أبرياء، وعلى مدى الشهور التى مرت منذ ذلك الوقت حتى عام 2014، تعد اليد العليا للقوات المسلحة فى المعركة ضد الإرهابيين وأبرزها «أنصار بيت المقدس» فى موقف دفاعي، ومع ذلك، بقى ألف من العناصر الإرهابية التى أخذت مقارها الرئيسية فى جبال سيناء. «التهجير» قانون التظاهر تحت غطاء «الإرهاب» وضمن ما شهدته مصر فى فترة الحرب على الإرهاب لتضييق الخناق على الإرهابيين وخاصة فى سيناء، قامت القوات المسلحة بإخلاء المنطقة الفاصلة بين سيناء وقطاع غزة لمسافة 5 كيلومترات ومعاملة الموجود بداخلها على أنه «حركة معادية». واقتصرت العمليات الأمنية إلى حد كبير على منطقة تبلغ مساحتها 40 كيلومترًا بين العريش والشيخ زويد، وامتدت شمالا باتجاه رفح على طول الحدود مع إسرائيل وحتى معبر كرم أبو سالم، وتصاعد القتال بين المسلحين وقوات الجيش والشرطة المشتركة، وتفاوتت وتيرة الهجمات وتوسعت الأهداف من نقاط التفتيش الأمنية الثابتة لدوريات متنقلة، وفى معظم العمليات، كان المسلحون يستخدمون مركبات رباعية الدفع ومجموعات من الأسلحة الخفيفة والثقيلة. وتضاربت الآراء حول إيجابية هذه الخطوة وسط تحركات قوات الجيش لإنشاء المنطقة العازلة على الشريط الحدودى مع قطاع غزة، للقضاء على عمليات التهريب ومنع تسلل الإرهابيين، ودعت القوات أهالى الشريط الحدودى لترك منازلهم مقابل منحهم تعويضات ضخمة. ولم يكن التهجير فقط عقوبة الحرب على الإرهاب بل أيضًا، القبض على أعداد كبير تحت هذا المصطلح، والذى وصفه المراقبون أنه تضييق على الحريات، حتى يقتنع الشعب بالكامل بأن الدولة فى حالة حرب. وقال محمد أبو ذكري، مدير مركز نضال الحقوقي، إن مُسمى الحرب على الإرهاب، خاطئ وليس مستهدفًا به الإرهاب، بل المعارضة وقمع الحريات. وأوضح «أبو ذكري»، فى تصريحات خاصة ل«المصريون»، أنه خلال عام من الحرب على الإرهاب، تم القبض العشوائى والقتل العشوائى والقمع والتهجير، مشيرًا إلى أن كل تلك الانتهاكات جاءت تحت مسمى «الإرهاب»، بالإضافة إلى قانون التظاهر. وأكد «أبو ذكري» أن المسمى تم استخدامه أيضًا لاستغلاله فى إقناع الشعب المصري، بأن مصر فى حالة حرب وكل شيء مباح فيها، بمنطق المواجهة الثنائية، مضيفًا أنها حرب مستهدف منها المعارضة والإخوان، مدللاً بكل من تم القبض عليهم من صحفيين وغيرهم تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وعما يحدث فى سيناء، من ضرب أوكار وحرب على الجماعات التكفيرية هناك، قال مدير مركز «نضال»، إن لا أحد يعلم ما يحدث فى سيناء، وإن قوات الأمن تمنع التصوير، متسائلاً: «إحنا عايزين نعرف فيه حرب فى سيناء فعلاً ولا لا؟»، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لا أحد يعلم مَن يضرب مَن ويحارب مَن، مَن إسرائيل، أو حماس أم ما يحدث هى فقط مناورات عسكرية؟ واستطرد «أبو ذكري»، أنه إذا كان يوجد بالفعل ما يسمى ب«أنصار بيت المقدس» فى سيناء، فلماذا لم يتم القضاء عليها، معللاً أنه إذا لم تستطع السلطة القضاء عليها فهى ليست قيادة حكيمة وغير قادرة، على حد قوله. وأردف، أن كل ما رأيناه يحدث فى سيناء هو فقط التهجير لأهالى سيناء تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وقال الفقيه الدستوري، عصام الإسلامبولي، إنّ قانون الطوارئ ما زال قائمًا ولم يتم إلغاؤه، مدللاً على ذلك ب«قانون الطوارئ» الذى يُطبق فى منطقة شمال سيناء. وأضاف «الإسلامبولي»، فى تصريحات مُتلفزة، أنّ قانون العقوبات والكيانات الإرهابية يغنى عن قانون مكافحة الإرهاب، قائلاً: «قانون مكافحة الإرهاب لا داعى له». ورفض الإسلامبولي، قانون مكافحة الإرهاب لتعارضه مع القانون العام، وكذلك لأنّ هذا القانون يهدر ضمانات الأشخاص التى نص عليها الدستور، مضيفًا أن هذا القانون يدخل الدولة فى حالة طوارئ دائمة، موضحًا أنّ ظاهرة الإرهاب بدأت تنحسر يومًا تلو الآخر، لذلك لا يوجد مبرر لوجود قانون الإرهاب. وأوضح الإسلامبولي، أن الدولة ليست فى حاجة لقانون جديد وكان لابد من إجراء تعديلات فقط على قانون العقوبات والاكتفاء به. ونوّه الإسلامبولى بأنّ مشروع قانون مكافحة الإرهاب سيواجه مشكلات فى مجلس الدولة، لأنّه يتضمن عوارًا دستوريًا فى بعض مواده، قائلاً: «هناك 12 مادة دستورية تقف عقبة فى تنفيذ وتطبيق مشروع قانون مكافحة الإرهاب». ومن جانبه، قال عبدالحليم قنديل، رئيس تحرير جريدة صوت الأمة، إن التحديات التى واجهها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عامه الأول متصلة بعامه الثاني، مضيفًا أن العام الأول للسيسى شهد تأكيد فكرة الاستقلال الوطنى وتقليص التبعية الموروثة لأمريكا، منوهًا بأن ذلك تحقق من خلال تنويع تسليح الجيش. وأشار قنديل إلى أنه لا يوجد عدالة اجتماعية فى مصر الآن، بجانب دهس الحريات العامة بسبب الحرب ضد الإرهاب، لافتًا إلى أنه لا يوجد تردٍ فى الوضع الاقتصادي، مشددًا على انخفاض نسبة عجز الموازنة وحدوث تقدم فى التصنيف الائتمانى الدولى لمصر، منوهًا بأن الدولة نجحت فى تحسين البنية الأمنية وطرق مواجهة الإرهاب، والتقدم فى شمال شرق سيناء.