لا يكاد يخلو برنامج من برامج الفتاوى التي تبثها القنوات الفضائية والإذاعية من السؤال عن كفارة الجماع في نهار رمضان!.. وأكثر من يتساءلون عن هذا الأمر هم المتزوجون حديثا قبيل قدوم شهر رمضان الفضيل بأيام أو أسابيق قلائل، مما يعني أن الكثير من المسلمين يجهلون هدف ومعنى ركن الصوم وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع لتربية الصائمين وتزكية أنفسهم والارتقاء بأخلاقهم وتعويدهم على الصبر وضبط شهواتهم امتثالًا لأمر الله عز وجل.. فقد ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: "الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي"، رواه البخاري ومسلم. ولهذا يحرُم على الزوج أن يجامع زوجته في نهار رمضان، لما في ذلك من إثم كبير ومعصية لأمر الله تعالى ، وإفساد لصيامه وصيام زوجته ولذلك ينبغي عليهما الإمساك بقية يومهما لحرمة شهر رمضان، وينبغي عليهما قضاء هذا اليوم، كما تجب عليهما أغلظ الكفارات وهي عتق رقبة ، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطيعا، فيطعم كل منهما ستين مسكينا.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما شأنك؟.. قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟.. قال: لا، فقال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟، قال: لا، قال: هل تستطيع إطعام ستين مسكينا؟.. قال: لا، قال: اجلس، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر، فقال: أين السائل؟.. قال: أنا، قال: فخذ هذا وتصدق به، قال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟.. فواللهِ ما بين لابتيها – أي طرفي المدينة – أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه ثم قال: أطعمه أهل بيتك" رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث يدل على وجوب الكفارة على الرجل المجامع لأهله في نهار رمضان، وعلى وجوب قضاء يوم بدلًا من الذي أفطر فيه،. والكفارة المذكورة واجبة عند جمهور العلماء على الترتيب، فيبدأ بالعتق أولاً، ونظراً لعدم وجود رقيق في عصرنا الحاضر فيبدأ بصوم ستين يوماً متتابعةً، لا يصح قطعها إلا بعذر شرعي. فإن كان عاجزاً عن الصيام، فإنه يطعم ستين مسكيناً.
ومما يدل على الترتيب في الكفارة ما جاء في رواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل أعتق رقبة، قال: لا أجد. قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق. قال: أطعم ستين مسكيناً. قال: لا أجد) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني. ويجب على من أفطر بالجماع في نهار رمضان بالإضافة للكفارة أن يقضي ذلك اليوم، لأنه قد ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة السابق قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: وصم يوماً واستغفر الله. وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقضِ يوماً مكانه، وقال العلامة الألباني بعد أن فصَّل الكلام على هذه الزيادة: صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وقال الإمام البغوي: وقوله: صم يوماً واستغفر الله فيه بيان أن قضاء ذلك اليوم لا يدخل في صيام الشهرين عن الكفارة، وهو قول عامة أهل العلم غير الأوزاعي.. فإن عجز عن الكفارة بخصالها الثلاث لم تسقط عنه وتبقى ديناً في ذمته على الراجح من أقوال العلماء إلى أن تتيسر له الكفارة فيكفر. ومما يُنصح به المتزوجين حديثًا حتى يحافظوا على صيامهم من البطلان أن يتجنبوا كل ما ينقص أجرهم ويوقعهم في معصية الله جل شأنه، وذلك بعدم فعل مقدمات الجماع من قبلات ومعانقة ونحوهما، وعدم النوم في سرير واحد في نهار رمضان وخاصة بعد صلاة الفجر، فضلًا عن تجنب الزوجة التزين والتعطر وارتداء الملابس المثيرة للشهوة أثناء نهار رمضان، وعليهم جميعا أن يحرصوا كل الحرص على التعاون على البر والتقوى دائما وأبدا، وأن يراعوا حرمة الشهر الفضيل ويعظموا حرمات الله.. قال تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خيرٌ له عند ربه} الحج: 30 وقال أيضا: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} الحج: 32
