يتوجَّه الناخبون المغاربة إلى صناديق الاقتراع يوم 25 نوفمبر في انتخابات مبكِّرة هي الأولى بعد التعديلات الدستوريَّة التي جاءت في سياق حراك الربيع العربي المشتعل. وانطلقت حملة الانتخابات التشريعيَّة المبكرة بمشاركة نحو ثلاثين حزبًا على رأسهم حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعيَّة الإسلاميَّة، وأكثر من 13 مليون ناخب لاختيار 395 نائبًا في مجلس النواب الجديد. ويتوقع أن يشرف نحو أربعة آلاف مراقب محلي ودولي على عمليَّات الاقتراع، في حين أعلنت الحكومة أنها اتخذت إجراءات إضافيَّة لضمان شفافية الاقتراع. الانتخابات بين مؤيِّد ومعارض كان الملك محمد السادس دعا في خطاب في وقت سابق إلى انتخابات "شفافة" تنبثق عنها حكومة "شجاعة" تبادر بإصلاحات تقابلها معارضة قويَّة. وتتمثل أكبر رهانات الاقتراع في نزاهة الانتخابات، ونسبة المشاركة التي جرت العادة أن تكون متدنية، بالإضافة إلى الرهان على النتيجة التي سيحقّقها أكبر حزب معارض، حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي. وتعتبر هذه الانتخابات هي ثاني عمليَّة اقتراع يدعى إليها الناخبون المغاربة منذ بداية العام، بعد استفتاء الأول من يوليو الذي أدى إلى المصادقة على دستور جديد. وبينما يعلّق مغاربة كثيرون آمالاً على هذه الانتخابات لإحداث إصلاحات حقيقية تجنب المغرب ربيع الثورات العربية الذي أطاح برؤساء من على عروشهم. حيث قال الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي بالمغرب عبد الإله بن كيران: "إن هذه الانتخابات استثنائيَّة بكل المقاييس، فإضافة إلى أنها تأتي سابقة لأوانها، فإن بلادنا تُعول عليها بشكل كبير، لتفادي الدخول في دوامة، لا نعرف بدايتها من نهايتها"، في إثارة إلى الربيع العربي. لكن في المقابل، يرفض مغاربة آخرون خيّار الانتخابات والإصلاحات السريعة، حيث دعت حركة 20 فبراير التي تأسست في سياق الربيع العربي، وتضم أغلبية من الشباب ويساريين وإسلاميين، إلى مقاطعة الانتخابات. ويقول منتقدون للعملية التي تمت بها الإصلاحات الدستورية في المغرب إنها كانت سريعة بدرجة لم تتح مناقشة كافية، كما أن هذه الإصلاحات لم تنزع فتيل الاحتجاجات التي مازالت مستمرة في عدة مدن مغربية وتقودها حركة 20 فبراير، التي تدعو إلى ملكية برلمانية يكون فيها للملك منصب رمزي وشرفي. وقال عمر الراضي -وهو ناشط من حركة 20 فبراير- إن الانتخابات المبكرة "من شأنها أن تحافظ على الحرس القديم من النواب في البرلمان". وأضاف أن "من مصلحة البلاط الملكي إبقاء نفس الوجوه لتعزيز الفكرة السائدة بأنه لا يمكن الوثوق بالأحزاب في قيادة البلاد وأن الملك وحده هو الجدير بالثقة". تحالفات سياسيَّة ورغم اختلاف المواقف من الانتخابات بين مؤيد ومعارض، إلا أنه كانت أكبر مفاجأة تكوين "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي أصبح يعرف ب "ج8" وهو خليط من أحزاب ذات توجهات سياسية متناقضة، منها أربعة أحزاب يمينية ليبراليَّة، وثلاثة أحزاب يسارية، بالإضافة إلى حزب "النهضة والفضيلة" ذي التوجه الإسلامي المحافظ. ولم تمر سوى أيام قليلة بعد ذلك حتى أعلن عن تحالف آخر يسمى ب"تحالف أحزاب الوسط"، ثم بعد ذلك تأسس ائتلاف سياسي جديد تحت اسم "التحالف الوطني المستقل". وقال رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" صلاح الدين مزوار -الذي شكل مع أحزاب أخرى ما سمي بالتحالف من أجل الديمقراطية- إن هذا التحالف ليس موجهًا ضد أحد، وإنه جاء بهدف محاربة "بلقنة" الساحة السياسية في البلاد، على حد تعبيره. وكان تشكيل هذا التحالف -الذي ضم ثمانية أحزاب منها الليبرالي واليساري والإسلامي- قد اعتُبر محاولة للتصدي لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي خشية تكرار سيناريو انتخابات تونس التي أسفرت عن فوز حزب حركة "النهضة" الإسلامي، حسب رأي مراقبين. من جانبه، قال الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي بالمغرب عبد الإله بن كيران: "إن التحدي الأكبر اليوم الذي يقف أمامنا ، ليس تحالف الجي 8"، فالتحدي الأكبر هو أن الحزب يمثل أملا للمغاربة، من أجل الحفاظ على الاستقرار. وانتقد الأمين العام أحزاب "الجي 8"، مُتسائلا: "هل تتوقعون أن أقول لكم، إن معركتنا اليوم مع هذا التحالف الذي قطر بيه السقف، أو أقول لكم بأن معركتنا بالأمس كانت فقط مع البام"، قبل أن يجيب :"إن معركتنا اليوم وغدا، مع الفئة التي تأخذ الثروة مستغلة السلطة" مضيفًا: "هؤلاء هم من أوصل المجتمع إلى حالة فقد فيها توازنه، وصار مثل رجل فاقد لتوازنه مُعرض في أي لحظة لكل أنواع الكسور". ودفعت هذه التحالفات عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عادل الدويري، وهو حزب يقود الحكومة المغربية الحالية، إلى انتقاد الائتلافات الحزبية الأخيرة، وقال إنها "ليست لها فائدة" وتبقى نظرية ولا تساهم في وضوح المشهد السياسي. وتتضارب التحليلات حول تفسير ظاهرة التحالفات بين من يعتبرها خطوة استباقية يقوم بها النظام المغربي لتحديد معالم الحكومة المغربية القادمة وبين من يقول إنها تستهدف العدالة والتنمية الحزب الإسلامي المعارض لأنه المرشح الأوفر حظا في الظفر بالانتخابات التشريعية المقبلة. وقال القيادي في حزب "العدالة والتنمية" مصطفى الرميد: إن الهدف من تحالف الثمانية هو "التحكم في تشكيل الحكومة المقبلة لقطع الطريق على الأحزاب "المستقلة عن الإدارة " لتشكيل حكومة لا تستجيب لتصورات مهندسي المرحلة المقبلة. مغاربة الخارج ينتقدون أمَّا مشهد الانتخابات المغربية من الخارج فله أبعاد أخرى، حيث عبّر المغاربة المقيمون بالخارج عن استيائهم لما سموه "تواصل سياسة التهميش" التي تسلكها السلطات المغربيَّة إزاءهم في الانتخابات التشريعيَّة المزمع إجراؤها في 25 نوفمبر الجاري. واعتبروا أن تلك السياسة لا تتماشى مع التغييرات الحاصلة في المنطقة العربيَّة التي تشهد حراكًا سياسيًّا كبيرًا. ويعيش أربعة ملايين مغربي بالخارج لا يتيح لهم النظام الانتخابي المغربي حتى الآن المشاركة المباشرة في الانتخابات رغم أنهم شاركوا في الاستفتاء على التعديلات الدستوريَّة مطلع يوليو الماضي، وبلغت نسبة مشاركتهم 98% حسب الأرقام الرسميَّة المغربيَّة. وتضمنت الفصول الدستوريَّة المعدلة تأكيد حق مغاربة الخارج في المشاركة في العملية السياسية، غير أن السلطات المغربيَّة لم تنجح في تحويل هذا الحق إلى واقع عملي بسبب ما تصفه بالصعوبات الإداريَّة والتقنيَّة. وتؤطر السلطات المغربيَّة المهاجرين في الخارج تحت منظمات حكوميَّة وشبه حكوميَّة مثل الوزارة المكلفة شؤون الهجرة والمجلس الاستشاري للجاليات ومؤسَّسة الحسن الثاني للمغاربة في الخارج، في مقابل مؤسسات عدة مستقلة تعمل داخل الجالية المغربية في الخارج وليس لها علاقة مباشرة بالسلطات في المغرب وتفتقد إلى التنسيق فيما بينها. خطوة للأمام وأي كانت الانتقادات والتحفظات فلا شك أن الحراك السياسي المغربي يعتبر خطوة هامة للأمام في إطار إصلاح الأوضاع، فبموجب الإصلاحات التي تَمَّت الموافقة عليها في استفتاء جرى في يوليو الماضي سيسلم ملك المغرب بعض السلطات لمسئولين منتخبين، ولكنه سيحتفظ برأي قاطع بشأن القرارات الإستراتيجية. وتنص بنود الدستور الجديد على أن يقود الفائز بالانتخابات التشريعيَّة حكومة ائتلافيَّة. وتعتبر الانتخابات التشريعيَّة القادمة هي ثاني اقتراع يدعى إليه الناخبون المغاربة منذ بداية العام، بعد استفتاء في الأول من يوليو أدَّى إلى المصادقة على دستور جديد. وفي مارس وعد محمد السادس (48 عامًا)، في ردّ سريع على احتجاجات استلهمت ثورتي تونس ومصر، بتقليص سلطاته من خلال إجراء تعديلات في الدستور، وتَمَّ تقديم موعد الانتخابات البرلمانيَّة بعد أن كان من المقرَّر أن تُجرى في سبتمبر 2012. المصدر :الإسلام اليوم