لو كان الحل الأمني ينفع مع الشعب المصري وخاصة شبابه الثائر في تلك المرحلة الحاسمة لنفع مبارك ونظامه؛ ولكان أغلب عسكريو المجلس الذين يتصدرون الفضائيات والبرامج صباح مساء يرتدون جلابيبهم البيضاء ويلعبون مع أحفادهم أو يقضون أوقاتهم في قراءة الجرائد وحل الكلمات المتقاطعة لمن يحسن منهم حلها أو يقضي وقته هباء في حلها. ولو كان الحل الأمني ينفع مع الشعب المصري وخاصة شبابه الثائر لكان السيد جمال مبارك لا زالت تملء صوره الشوارع والفضائيات استعدادا لتوريثه مصر: أرضا وسماء؛ حكومة وشعبا؛ جيشا ووطنا. ولخرج أبوه باعتباره الحاكم الوالد ليملي علينا دروسه في الحكمة وفضيلة الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع. ولو كان الحل الأمني ينفع مع الشعب المصري وخاصة شبابه الثائر لذهب كل إلى حال سبيله وترك البلاد غنيمة باردة للمجلس العسكري ومشيره وفريقه؛ غنيمة باردة لم يأخذها بحد السيف ولا برضى الشعب بل سرقة واختلاسا وخيانة للأمانة التي أستودعها الشعب عنده. الإخوة والآباء والأجداد في المجلس الحسبي (العسكري) لن تعود عقارب الساعة للوراء فأنتم تصادمون نواميس الكون وهي غلابة وأنتم تنطحون في صخر وهو صلب وحتما ستخسرون الرهان على الحل الأمني. الإخوة والآباء والأجداد في المجلس الحسبي (العسكري) أنتم إلى الآن لم تستوعبوا ما حدث في مصر منذ يوم الخامس والعشرين من يناير حتى الآن؛ لم تعترفوا أن ما وقع في مصر ثورة؛ فلازلتم تعيشون في الماضي وتسمّون ما وقع أحداثا. ما وقع في مصر ثورة وللثورات لغتها الخاصة وأنتم لا زلتم تتكلمون بلغة الأحداث وهي نفس لغة النظام البائد. وما وقع في مصر ثورة وللثورات منطقها الخاص ولا زلتم تحكموننا أو تريدون أن تحكموننا بمنطق مبارك وأبنيه وأمهما. يا سادة قليلا من الواقعية وقليلا من إدراك دقيق لمجريات ما يحدث على الأرض؛ لن يستقر لكم حكم ولا حاكمية؛ ولن تكونوا حكما ولا حاكما؛ ولن تكونوا مؤسسة فوق مؤسسات الدولة ولا شعبها؛ لن تكونوا آلهة تُعبد من دون الله؛ مضى زمن الآلهة المزيفون؛ وكفر المصريون بالفراعنة الجدد والقدامى؛ وحطموا الأصنام في ذواتهم قبل أن يحطموها على أبواب الميادين. لقد خرج الناس بصدور عارية لم تحركهم جماعات منظمة ولا أحزاب سياسية ولا تيارات أيديولوجية؛ خرج الناس من كل حدب وصوب يهتفون بالحرية وللعدالة الاجتماعية وللكرامة الإنسانية يريدون تسليم الحكم للمدنيين بلا لعب ولا تأجيل؛ خرجوا بصدور عارية يتلقون رصاصات الغدر من مجس عسكري استودعناه أمانتنا فخان. يا سادة المجلس الحسبي (العسكري) ماذا تتوقعون أو تتوهمون؛ شعب كسر حاجز الخوف وحاجز الصمت وحاجز الرهبة من آلة عسكرية غشوم لم ندفع ثمنها (ومعه عمولاتكم طبعا) من أرزاقنا وقوت عيالنا لتقتلونا بها في شوارع مصر وميادينها. لقد فقدتم شرعيتكم الدستورية (ومدارها على استفتاء مارس) مع غروب شمس يوم 30 سبتمبر وهي فترة الستة شهور الذين وعدتم بعدها تسليم الحكم للمدنيين؛ وفقدتم شرعيتكم الواقعية (ومدارها على رضى الناس) بالتدريج مرة بعد مرة تفتحون فيها النار والرصاص الحي على المتظاهرين والمعتصمين السلميين؛ وفقدتم آخر قطرة من شرعيتكم الواقعية يوم جمعة حماية الديمقراطية من حكم العسكر (18 نوفمبر) عندما قتلتم وجرحتكم المئات من الناس. لقد ظللتم تستنفدون رصيدكم عند الشعب حتى نفد ولم يعد لديكم رصيد يسمح بالاتصال بالشعب؛ ولن يقبل الشعب مرة أخرى بالتجاوز على حقه ومستقبل بلده. لقد فشل كل من راهن على الحل الأمني؛ وها أنتم تكررون الفشل تلو الفشل وأصبح ظهروكم للحائط ووجوهكم للشعب؛ ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.