خبراء: الفقر والجهل والطمع الدافع الرئيسي لعمليات التنقيب سنويًا.. اختفاءات بالجملة وانهيار منازل وتصدع أخرى نتيجة التنقيب
تحت مرأى ومسمع الجميع يبدأ الحفر في وضح النهار ليستكمل عملية التنقيب ليلًا حتى يخرج الكنز الأثري المنشود ليتحقق الثراء الفاحش وتخرج الأرض كنوزها دون أن يشعر بهم أحد، هكذا هو حال قرية طنان بمحافظة القليوبية، تلك القرية التي تحولت إلى وكر لاستخراج وبيع الآثار الفرعونية المدفونة تحت منازل أهالى القرية منذ آلاف السنين. يقول البعض إنها كانت مقرًا لمبعد قديم وكان اسمها في تلك الوقت طانور، وأن الجامع الكبير الموجود بالقرية به أعمدة من الجرانيت والرخام الخالص وبلاط منقوش بحروف فرعونية ومسلة بطول 6 أمتار وتركوا كنوزًا كثيرة أسفل أرض المسجد والمنازل المجاور، مما جعل الأجيال الجديدة تنقب عن هذه الكنوز، فضلاً عن الحكايات. مصطفى عنتر من أهل القرية أكد أنه سمع من أجداده منذ طفولته بأن القرية أساسها فرعوني ويوجد بها شوارع أسفل المنازل وأن منطقة الجامع الكبير أعلى المناطق في القرية وأن معظم الشوارع بها منازل قديمة جدًا وأن وزارة الآثار حددت المنطقة بأنها تندرج تحت وزارة الآثار المصرية. وأضاف أن الكثير من أهل القرية يقومون بعمليات حفر داخل منازلهم بحثًا عن الآثار ويبدأ العمل بعد منتصف الليل حتى لا يشعر بهم أحد، وفي السنوات الأخيرة أصحبنا نشاهد الثراء الفاحش يظهر على بعض أهل القرية وكان الاختفاء من نصيب البعض الآخر الذي تلتهمه رمال التربة التي يحفر بها أمام أعين الكثير ولا أحد يعلم شيئًا عنه بعد ذلك. "المصريون" استطاعت اختراق أماكن حفر بها الأهالي لاستخراج الآثار ورصدنا بالصور كيف تبدأ عمليات الحفر؟، كانت البداية داخل منطقة حفر داخل منزل قديم بمنطقة الجامع الكبير وجدنا غرفة بها حفرة تصل قطرها إلى 3م وعمق إلى 7م تقريبًا وأدوات للحفر قريبة منها (كوريك، فأس، ماتور، رفع مياه، حبل، خرطوم مياه 3بوصة، ونش يدوي)، وذلك لإتمام عمليات الحفر بها، كما أن الطمي المحفور يخزن في الغرف المجاورة حتى لا يشعر أحد من الجيران بعمليات الحفر، وبداخل الحفر كردون من الخشب لحمايتها من السقوط ومواسير حديدية ضخمة لعمل أنفاق أسفل الحفر لتوسيع عمليات التنقيب. كشف جلال عبدالقادر، أحد سكان القرية عن وجود عصابات تتفق مع أصاحب المنازل التي تقع بالمنطقة الأثرية لتقوم بعمليات التنقيب أسفل منازلهم مقابل أجر مادي أو شراء المنزل بأسعار خيالية، فالكثير من الأهالي يقومون بعمليات الحفر والتنقيب عن الآثار، مما أدى إلى انهيار بعض المنازل وتصدع المجاور لها كما تقع طنان ضمن ثلاث قرى يوجد بها عمليات فحر وتنقيب وتضم قرية سنديون والسد وجزيرة عرب النجدي. وانتقلت "المصريون" إلى قرى مجاورة للتحقيق من معلومات المصادر وبدأنا جولتنا داخل القرية والتي كانت جولة صعبة؛ حيث امتنع الكثير من الأهالي عن الكلام والتحدث معنا إلى أن التقينا أحد الأهالي، ويدعي سيد خلف أحد أبناء القرية، حيث أكد أن منطقة العلوة أعلى مكان في القرية حيث تعلو على مستوى سطح الأرض بنحو 8 أمتار والشوارع والبيوت بها تعلو تدريجيًا إلى أن تصل إلى منطقة العلوة الرئيسية والتي تضم المناطق الأثرية. وقال إن كلمة سند تعني معبد الإله يون إله الشمس عند الرومان ويوجد بمنطقة العلوة آثار كثيرة أسفل المنازل القديمة والتي تقدر بأكثر من كيلو متر مربع وتعتبر منطقة العلوة أعلى منطقة في القرية؛ حيث كان الأهالي قديمًا يستطيعون رؤية الأهرامات من فوقها، وقال إن هناك بعض القصص والروايات التي تؤكد وجود سراديب وشوارع أسفل المنازل القديمة. وأضاف خلف أن بعض الأهالي يقوم بتأجير منازلهم إلى عصابات لتقوم بعمليات الحفر داخل المنازل بتحديد مناطق الآثار من خلال جهاز كشف عن الآثار والغريب في الأمر أن الشرطة تعلم ولا تتدخل. سرقة المقابر منذ آلاف السنين بدوره قال محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية، إن عنصري الجهل والفقر هما وراء تنقيب الأهالي عن الآثار، فالأماكن تتغير والأحداث والنتائج واحدة لكن أهم عناصر هذا الجهل بأن الآثار لا تتواجد في كل شبر في مصر وأسفل كل منزل؛ صحيح أن مصر تعوم على بحر من الآثار، ولكن شتان بين الأثر الحقيقي وشواهد وجوده وطريقة التنقيب عنه وبين الخرائط المغلوطة التي يتبعونها وأساليب التنقيب والدجل والشعوذة التي يحاولون بها استخراج كنوزهم المزعومة. وكشف عفيفي عن سرقة برديات المقابر في عصر الرعامسة ويرجع في عهد الملك رمسيس الثالث بدليل كل المقابر الفرعونية مسروقة ولأسباب غامضة لم تنهب مقبرة واحدة وهى مقبرة "توت عنخ أمون" والتي اكتشفها "هوارد كارتر" سنة 1922. وأضاف عفيفي أن عصر "رمسيس التاسع"، تفشت الرشوة وتدهورت الأوضاع.. وانتشرت عصابات سرقة المقابر بدرجة مخيفة وواحدة من تلك العصابات كانت تضم بين أفرادها عناصر نسائية ويتزعمها بلطجى اسمه "بوخاف".. وعصابة أخرى كل أفرادها من الكهنة ويتزعمها كاهن اسمه "بن أون حب". وتابع أن بعد ثورة 25يناير وفي ظل الانفلات الأمني هناك الكثير من الشعب المصري ينقبون في كل مكان بحثًا عن الآثار بطرق غير علمية وبالسحر والشعوذة، لافتًا إلى أن عمليات التنقيب كانت تستهدف مناطق ليس بها آثار من الأساس مثل عملية التنقيب في "الدويقة"، وثبت بمحاضر رسمية بشرطة الآثار وهذا دليل على عدم معرفة وجهل المنقبين عن الآثار. كيف يمكن إنهاء ظاهرة التنقيب عن الآثار؟ قال محمد حمزة، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، إن هناك حالة متفشية بين الشعب المصري للتنقيب عن الآثار، وهذا سبب للفقر والجهل والطمع الذي يظهر في المجتمع بشكل كبير، فإن طبقة الفقراء هي الأكبر ولذلك يذهب البعض منهم بحثًا عن شيء ينشله من مظلة الفقر والجوع. وأضاف حمزة أن الوعي الأثري هي قضية مهمة ولابد أن تدرس في المناهج الدراسية وتعدل المناهج لما يتناسب مع ذلك، لأنه يجب على الدولة أن تعي تمامًا مدى أهمية توعية الأطفال والشباب قيمة الآثار المصرية حتى تحد من عصابات الآثار. وأكد أن الدولة شريكة مع عصابات الآثار بسبب تداخل الجهات في الاختصاصات مثل تدخل المحافظات والمحليات والأوقاف في شؤون وزارة الآثار، الأمر الذي أهدر آلاف القطع الأثرية النادرة من أسرة محمد علي وأسر أخرى كانت موجودة في المخازن أين ذهبت؟ قس على ذلك الآثار الفرعونية الموجودة حاليًا الهرم ما هو إلا مقبرة لدفن خوفو التابوت موجود والجثة سرقة. وأضاف أن معظم الآثار المتبقية عبارة عن مقابر في العصر الفرعوني ومصر القديمة وفي العصور التالية، فضلاً عن الآثار الإسلامية فإن غياب مسئول أو وزارة واضحة أدى إلى سرقة وضياع آلاف الآثار ومنها سرقة المساجد الإسلامية من حشوات ومنابر وبعض الأبواب والببات الرخامية بالمساجد ويوجد أيضًا 52 ألف مخطوط في مكتبة جامعة الأزهر بالدراسة لا أحد يعرف عنهم شيئًا وتتبع وزارة الثقافة، وعند مخاطبة الأوقاف عن سرقة تلك المقتنيات الثمينة يقولون اختصاص الآثار، والآثار ترد العكس صحيح فعدم وجود جهة واحدة ينسب إليها الآثار والتحف ومنها الآثار الإسلامية يبقى سنفقد جميع الآثار الموجودة في المخازن والأماكن الأخرى. وتابع حمزة أن معالجة مافيا التنقيب عن الآثار وغلق الظاهرة المتفشية في كل أرجاء الدولة بتعديل القوانين التشريعية بمعني أن أي مواطن يجد آثارًا أو يعرف مكانها يبلغ عنها ويكون له نسبة من إجمالي عدد القطع التي حصلت عليها وزارة الآثار وده هيعطي دافع لدى البعض للإرشاد عن أماكن الآثار، ولذلك مش هيخوف الناس وأيضًا يكون هناك قوانين مشددة لمن يتاجر أو يسرق أو ينقب عن الآثار للحفاظ على ما وراثته من أجدادنا من الهلاك كما أن نظرة الدولة ووسائل الإعلام يجب أن تتغير على أن وزارة الآثار مش وزارة خدمات فقط ولكنها وزارة اقتصادية تقوم بمساعد الدخل القومي من خلال السياحة الأثرية منها الأقصر وأسوان، كما أطالب الدولة بإلغاء جميع الكليات ومعاهد الآثار على أن يكون هناك ثلاث كليات فقط على مستوى الجمهورية على أن تكون كلية الآثار بجامعة القاهر واحدة منها ولتحسين مستوى الأثريين حتى نضمن الحفاظ على آثار أجدادنا من الضياع. الحفاظ على أثرنا من الهلاك أكد الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، أن عدم وجود جهة واحدة تتحكم في إدارة شؤون آثار مصر وعدم تداخل الاختصاصات الذي كان سببًا كبيرًا في ضياع آلاف الآثار المصرية النادرة كما يمكن تعديل القوانين التشريعية بشكل يتناسب مع الوقت الراهن للحفاظ على آثار مصر بإصدار قانون النسبة بمعنى من يرشد على موقع أثري يستحق نسبة 10 % من مجموع الآثار التي حصلت عليها وزارة الآثار، ولذلك نضمن عدم تهريب آثارنا إلى الخارج، كما أن صدر قرار من وزارة الآثار بتشكيل لجنة جرد الجبانات وما بها من آثار وتحف برئاستي وهيكون معانا الجيش والشرطة لأن الأهالي مش هيمكنونا من عمليات الجرد وأنا أتوقع إننا هنكتشف بلاوي من تركيب مفكوكة وضائعة، كما أن التركيب مش مسجلة بالوزارة، كما أن التعديات على المناطق الأثرية تشكل خطرًا كبيرًا على حضارتنا من قيام أبراج تصل ارتفاعها إلى 13 دورًا في إسكندرية وهو ما تمت إزالتها بالفعل ودي خطوة على الطريق الصحيح من محافظ الإسكندرية لابد من إزالة أي تعديات على المناطق الأثرية للحفاظ على آثار مصر من الهلاك. وتابع حمزة أن يكون الاستثمار بعيدًا عن استخدام أي مواقع أثرية لأن بعد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ هناك حالة من التهافت والتكالب على الاستثمار بس حذاري القرب من المعالم الأثرية ويجب عند إعطاء أي مستثمر قطعة أرض لإقامة مشروع عمل مسح أثري عليها لضمان عدم وجود تحتها آثار لأن أرض مصر كلها آثار إذا ما لم يثبت العكس. وفي قليوب تمكنت أجهزة الأمن من القبض على عصابة من 6 أشخاص ويتزعمهم تاجر عقارات قاموا بعمليات حفر وتنقيب بحثًا عن الآثار بمنطقة سيد عواد بقليوب البلد جاء ذلك ببلاغ مقدم من م.م.ع أحد جيران المنزل الذي أقيم به الحفر وتم تحرير محضر ضدهم.