"نداء الكنانة"، كان هو عنوان البيان الذي أطلقه أكثر من 150هيئة وشخصية إسلامية تحت اسم "علماء الأمة" وشدد على وجوب التصدي للسلطة الحالية في مصر، والعمل على كسرها والإجهاز عليها، وضرورة القصاص ممن ثبوت تورطهم ، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم، ولو بالتحريض على انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق" ، حسب نص البيان الذي اعتبر على نطاق واسع أنه دعوة صريحة للعنف وأثار جدلا واسعا . واعتبر محللون أن البيان هو أقوى رسالة تهديد حتى الآن تصدر من جانب العلماء المحسوبين على "الإخوان المسلمين"، ويعكس تطورًا كبيرًا في الصراع الذي تخوضه الجماعة ضد السلطة الحالية، إلى حد اعتبر معه البعض أنه يضع النهاية لمرحلة السلمية التي اعتمدتها منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق في يوليو 2013، والتي عكستها المقولة الشهيرة للدكتور محمد بديع المرشد العام: "سلميتنا أقوى من الرصاص" من على منصة "رابعة"، كاستراتيجية في مواجهة ما تصفه ب "الانقلاب" على "الرئيس المنتخب". البيان الذي وقع عليه علماء من السعودية ومصر وتركيا وسوريا واليمن وفلسطين والهند وباكستان وماليزيا وموريتانيا وغيرها وصف الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي بأنه "الرئيس الشرعي للبلاد، وأن الإجراءات اللاحقة التي اتُّخذت معه، والأحكام التي صدرت بحقه وحق الرافضين للانقلاب باطلة شرعًا، ومنعدمة قانونًا، ويجب على الأمة شرعًا السعي في فكاك حاكمها المنتخب وتحريره من أسره". ووصف النظام الحالي في مصر بأنه "منظومة مجرمة قاتلة، انقلبت على إرادة الأمة واختيارها، وخطفت رئيسها الشرعي المنتخب، واغتصب قائد الانقلاب كرسي الرئاسة بانتخابات صورية مزورة، وجمع في يده السلطات جميعا، بما فيها سلطة التشريع، وسن قوانين جائرة، تكمم الأفواه، وتجفف منابع الحياة بشكل شامل". وقابلت جماعة "الإخوان المسلمين"، البيان بترحيب شديد، قائلة إن العلماء قاموا "بواجب الفتوى الشرعية وبيان الحق في توصيف الحالة الإجرامية للانقلاب الدموي وارتكابه المجازر والاعتقالات وجرائم التعذيب والاغتصاب". وأوضحت الجماعة أنها استقبلت بكل التقدير والتثمين، البيان الذي وصفته ب "نفرة العلماء" في مواجهة جرائم من وصفتهم ب "العسكر الانقلابيين في مصر، وآخرها أحكام الإعدام بحق الرئيس محمد مرسي ومئات الأبرياء من المصريين الثائرين ضد الطغيان". من جانبها، وصفت دار "الإفتاء المصرية"، البيان ب"التحريضي الذي أصدره مجموعة من الدعاة الموالين لجماعة الإخوان الإرهابية" ضد مصر ومؤسساتها الأمنية والقضائية، فيما وصفه بأنه "محاولة يائسة لزعزعة استقرار البلاد وأمنها"، قائلاً (إن الله لا يهدي كيد الخائنين)، و(إن الله لا يصلح عمل المفسدين). واعتبر "مرصد التكفير" التابع لدار الإفتاء في بيان له، أن "تلك الدعوات الهدامة التي جاءت في البيان التحريضي بالتخلص من النظام المصري وقوات الجيش والشرطة ورجال القضاء والإعلام، هو إفساد في الأرض حذرنا الله سبحانه وتعالى منه فقال (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ). ووصف الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، الموقعين على البيان ب "المجرمين في حق دينهم ووطنهم وأمتهم"، مطالبًا بوضعهم جميعًا على قوائم ترقب الوصول هم ومن على شاكلتهم، كما يجب تطهير سائر مؤسسات الدولة من بقاياهم". ودعا جمعة إلى إدراج "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ضمن "الكيانات الإرهابية، ومعاملة أعضائه معاملة أعضاء الجماعات الإرهابية". سياسيًا، قال محمد العمدة، النائب البرلماني السابق، إن البيان يؤكد أن مصر في طريقها إلى دخول مرحلة الخطر، و"هذا ما كنا نخشاه وحذرنا منه، أن ما يحدث في مصر سوف يؤدي إلى تطورات ونتائج لا يتوقعها أحد". وأضاف العمدة في تغريدات نشرها عبر حسابه على موقع "تويتر"، أن "سبب ذلك كله البطش بالحد الذي فاق كل تصور من قتل في الشوارع والمنازل واعتقال وتعذيب وتلفيق قضايا، وأحكام بالإعدام والمؤبد على كبار وشباب وطلاب وطالبات من خيرة أبناء مصر بزعم كاذب ظاهر البطلان أنهم إرهابيون". وتابع: "بطش لم يستثن النساء والفتيات والطالبات، فضلاً عن مواقف وتصرفات يفهم البسطاء قبل السياسيين المتمرسين أنها بطش بالمصريين من أجل إسرائيل واليهود وغيرهم". ومضى العمدة قائلاً: "إننا بدأنا ندخل في المرحلة التي حذرنا منها، بيان صدر عن مائة وخمسين عالمًا إسلاميًا من عدة دول إسلامية منشور على مواقع لا تحصي ولا تعد مصرية وعربية وغربية، يؤكد أننا دخلنا في مرحلة الخطر الأيام القادمة ما لم يتحرك العقلاء في مصر على وجه السرعة لإيجاد حلول سلمية لما يحدث في مصر ترتضيها كل الأطراف". وأوضح أن "البطش لا يؤدي إلى استقرار بحال من الأحوال وإنما يؤدي إلى أعمال انتقامية، وهذا ما قاله السيسي الطاغية عام 2006 في بحثه الذي قدمه لكلية الحرب الأمريكية، وقاله أيضًا خلال الأيام الماضية ولكنه يعمل على عكس ما يقول دائمًا". من جهته، أبدى سعيد فياض، القيادي ب "الجبهة السلفية"، تعجبه مما اعتبره تجاهلاً لبعض النقاط، قائلاً: إنه "على الرغم من التصعيد الواضح في اللهجة - لم يذكر تجريف الهوية أو التجرؤ على ثوابت الدين ونصوصه ودعم الملاحدة وجهود العلمنة، وكأن قضية د.مرسي وحصار غزة هي المعركة وفقط، بينما هي عرض للمرض الحقيقي وهو السعي لاستئصال الجذور الإسلامية باستهداف النصوص والقيم والرموز التاريخية، وكنا ننتظر من أهل العلم أن يكون لهم دور في التنبيه على ذلك". واعتبر الدكتور يسري العزباوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام"، أن "البيان الصادر من العلماء المؤيدين للإخوان يصعب من إجراء عملية المصالحة بين الجماعة والدولة الذي تسعي إليه عدد من الشخصيات العامة، فضلاً عن أنه يدفع المتعاطفين مع الجماعة إلى تغير مواقفهم. وقال إن "البيان ورط الجماعة وأكد أن الإخوان مرتبطون بالعنف وأنهم منبع العنف وممارسوه"، ويؤكد حق الدولة في التعامل الأمني العنيف معهم ويدفعها إلى مزيد من التعنت تجاه عنف الجماعة بعد أن دعا الموقعون البيان إلى ظهور جماعات العنف والنشيطة حاليًا في وسط الدلتا وشمال سيناء. وربط العزباوي بين توقيت إصدار البيان وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي المرتقبة إلى ألمانيا، "لكون ألمانيا كانت من أكثر الدول المعادية ل30 يونيو، وأرادت الجماعة أن تستقبل السيسي بمزيد من العنف، بعد أن اكتسبت جولات الرئيس الخارجية نجاحًا منقطع النظير". فيما رأى اللواء جمال أبو ذكري، الخبير الأمني، البيان لم يغير الواقع على الأرض، قائلاً إن "الجماعة طبقت نص البيان منذ عزل مرسي وانتهجت العنف منذ اللحظة الأولى؛ حيث إنها اعتدت ومازالت على أجهزة الدولة من رجال القضاة والأجهزة الأمنية والإعلامية"، واصفًا الموقعين على البيان بأنهم "مجانين، بما يدل على حالة الجنان التي وصلت إليها الجماعة، ويدل أيضًا على نجاح أجهزة الدولة في النمو والتقدم".