لم تكن الحرب يوما هدفا وغاية، بل تظل وسيلة لفرض السلام، أو الوصول إليه، أو لإجبار الطرف، أو الأطراف المتمردة، للخضوع للعقل، والانحناء للسلم. نتحدث عن الحرب المشروعة، وليس عن العدوان على طريقة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فهذه حرب عدوانية، وهى غاية إسرائيلية لفرض واقع مرير على ذلك الشعب المظلوم. حديثنا هنا عن الحرب في اليمن، وعن ضرورات السلام في نفس الوقت. الحرب تخوضها السعودية التي تقود تحالفا عربيا هى الفاعلة فيه، والقائدة له كضرورة، وليس ترفا، ولا رفاهية، ولا رغبة في القتال. السعودية ليست دولة عدوان، ولا اعتداء، ولا تحرش بأحد، خصوصا عندما يكون اليمن خاصرتها الجنوبية ومجال أمنها القومي الذي يمتد من عدن مرورا بصنعاء وصولا إلى صعدة حيث يتمركز المتمردون الحوثيون بقوتهم وخططهم وأفكارهم وطموحاتهم ومركز عملياتهم للسيطرة على اليمن ومشاكسة السعودية، بل إزعاجها وإثارة قلقها والقلاقل فيها. الحوثيون هنا، وفي هدف مضايقة بلاد الحرمين الشريفين ، هم وكلاء عن إيران، ومنفذي خططها وتوجيهاتها، إيران لاتكن ودا للسعودية، ولا الخليج كله، ولا العرب أجمعين، أحلام إيران الإمبراطورية القديمة تجددت مع ثورتها المسماة إسلامية، والمجال الحيوي لنفوذ تلك الإمبراطورية هو البلدان العربية لإدخالها في ظلال الامبراطورية تابعة ومستسلمة، لكن ما كان قديما ليس بالحتمية أن يتكرر اليوم، مع إيماننا بأن التاريخ صار يكرر نفسه، وبشكل أشد من السابق أحيانا، لكن الحلم الإيراني الجديد ضد المنطق والعقل والواقع والتطورات في بلدان المنطقة في مختلف المجالات، والسعودية هدف أكيد ورئيس للإيرانيين، ووكلائهم يقومون بالمهمة من أكثر من جهة، وأخطرها كان في الجنوب عبر التمرد الحوثي. غضت السعودية في عهد سابق، ولى منذ فترة قصيرة، الطرف عن الخطر الحوثي، ولا ندري كيف سارت حسابات السياسة في هذه القضية آنذاك بترك الوكيل الإيراني يتمدد ويبتلع اليمن كله تقريبا، ويهيمن على القرار السياسي، ويحول الرئيس الشرعي إلى دمية؟. فات وقت قصير، لكنه ثمين، وخلال هذا الوقت تمكن الحوثي وشريكه الرئيس السابق صالح من التغلغل وبناء شبكة علاقات وقوى عسكرية وسياسية واجتماعية ومالية في طول اليمن وعرضه بكل الوسائل حتى باتوا شبه مسيطرين على الأرض، وابتلعوا مرافق الدولة ومؤسساتها خصوصا العسكرية والأمنية، ويتضح هذا من الحرب التي يخوضها التحالف العربي جوا بالقصف المتواصل منذ نحو شهرين، إلا سويعات قليلة من هدنة لم يلتزم بها المتمردون، حيث يظهر كم فرض المتمردون وجودهم في معظم أرجاء اليمن حتى في الجنوب الذي يُفترض ألا وجود مذهبي وسياسي كبير لهم فيه. نعم، هناك مقاومة شعبية يمنية تقاتل الآن على الأرض لاستردادها وتطهيرها من الحوثيين، لكن إلى متى يستمر هذا القتال لتحرير متر من الأرض كل يوم؟، فاليمن كله بهذا الشكل سيحتاج قتالا أهليا لسنوات لتخليصه من المتمردين، وهم لن ينتهوا لأنهم في النهاية مكون وجزء من التركيبة اليمينة، وهم بنوا استراتيجيات وخططا لمثل تلك الأيام، واستعدوا لهذه الحرب، وانتشروا في كل شبر وقرية وحي ومدينة، وواضح أن الرئيس السابق لم يكن صامتا منذ خروجه من السلطة ولا كسولا ولا مستسلما. مهما كانت قوة ودقة ضربات الجو مع طرف مسيطر على الأرض ويشن حرب عصابات يتقنها جيدا لستة حروب سابقة خاضها، ومن وراءه دعم تدريبي وخططي وتسليحي وتمويلي كبير، فإن الحرب البرية لابد منها، وهى لها كلفتها الضخمة على المدنيين، وعلى مؤسسات وقدرات الدولة اليمنية وبنيته المعدمة أصلا، وحرب مثل هذه ستنتهي بخسارة اليمن الدولة والمؤسسات، وكلفة كبيرة لليمنيين في الأرواح والمصالح الخاصة والأمل في المستقبل. نعم الضربات الجوية ساهمت في تدمير غالبية القدرات العسكرية الثقيلة لطرفي التمرد "الحوثي - صالح"، ولنا أن نتخيل ماذا كان الوضع الآن للتمرد لولم تكن هناك مثل هذه الضربات، وماذا كان وضع المتمردين اليوم لو لم يتم قطع الطرق على الامدادات الخارجية لهم من إيران وغيرها، التحالف قام بتقليم أظافر المتمردين ونزع مخالبهم، لكن هذا لا يعني إنزال هزيمة قاصمة ونهائية بهم، فالحاصل اليوم أنهم يخوضون حربا انتحارية، والانتحاريون يعرفون مصيرهم، لكنهم يأخذون معهم أبرياء كثيرون. أجراس السلام يجب أن تدق في اليمن، لا بد من الحل السياسي في النهاية، والطرف السعودي العربي مؤمن بهذه الفرضية، وكذلك الرئيس اليمني وحكومته، لم يتم غلق الباب أمام الحل السياسي يوما، هو مفتوح منذ الأيام الأولى لعاصفة الحزم، لكن وفق شروط الحفاظ على الدولة اليمينة وعلى الشرعية وعدم سقوط اليمن في أيدي ميليشيا أو حركة متمردة، هناك أجندة حلول للأزمة كان متفقا عليها في مخرجات الحوار الوطني قبل أن يطمع الحوثيون وشريكهم في اليمن كله بفضل إغراء قوتهم، وظنا منهم أن السعودية والظرف الإقليمي والدولي يمكن أن يمرر لهم ومن يدعمهم ما يريدون. قرأت في صحيفة "القدس العربي" على لسان مصادر خليجية في الرياض أن هناك مشروع حل سياسي ترعاه سلطنة عمان، وهو يحظى بقبول خليجي يمني، وأن وفدا حوثيا موجودا منذ أيام في مسقط للتباحث حول هذا الحل المشروط بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل أن يلغي الحوثيون الدولة ويحولونها إلى دولة الجماعة وينشرون الخراب والدماء فيه، والحل يتم في إطار تطبيق قرار الأممالمتحدة رقم 2216 الداعي إلى تمكين الحكومة الشرعية من ممارسة مهامها، ويتضمن تسليم معسكرات وأسلحة الجيش إلى الحكومة، وانسحاب القوات الحوثية من المدن والمحافظات، والاعتراف بنتائج ومخرجات مؤتمرات الحوار الوطني السابقة، وغيرها من شروط تصحيح الأوضاع المقلوبة والتي لا يمكن أن تستمر. ما يجري في مسقط - حسب المصدر الخليجي - هو إقناع الحوثيين بالقبول بتطبيق قرار مجلس الأمن مقابل أن تقدم لهم الحكومة الضمانات السياسية والأمنية التي تضمن عدم إقصائهم وملاحقتهم وحتى محاكمتهم مستقبلا، وكذلك تضمن لهم بقاءهم كطرف سياسي رئيسي في مستقبل البلاد، وأتصور أن ذلك مخرجا جيدا وآمنا لهم سيندمون لو فرطوا فيه، أما الرئيس المخلوع فقد سقطت ورقته نهائيا، وفقد ثقة الجميع فيه، لكن الحزب الذي يرأسه يظل موجودا على طاولة الحل بقيادات أخرى ممن رفضوا نهجه ومغامرته وشاركوا في مؤتمر الحوار الوطني بالرياض مؤخرا. إذا كانت إيران تتحدث عن السلام والاستقرار في اليمن فعليها أن تساهم في دفع تلك المبادرة للأمام، ومسقط وسيط معروف عنه الحياد الصادق والحقيقي، ولها تجربة ناجحة في التقريب بين الإيرانيين والأمريكان مما مكن من دفع محادثات النووي للأمام، كما أنه وسيط موثوق فيه من الأطراف المباشرة في الأزمة. تهدئة ساحة اليمن، وإعادة البلد إلى حالة السلم الأهلي بعد تلقين التمرد الدرس أمر ضروري، وقضية حيوية حتى لا يتواصل سقوطه في نفق مظلم لن يخرج منه بسهولة، وحتى يغلق العرب جبهة خطرة ليتفرغوا للتصرف إزاء جبهات أخرى شديدة الخطورة عليهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.