يعشق دائماً سماع الأخبار من كل القنوات والمحطات، يعشق الثرثرة والحكايات، لا يملك رأي واضح ومحدد بشأن ما يحدث في مصر، يسمع من هنا ومن هناك، يحاول ان يصل الى رأي محدد وموقف واضح فلا يستطيع، هذا الأمر لا يقلقه كثيراً ..فأكل عيشه هو الذي يشغله وعدد الرؤوس التي يحرثها كل يوم هي التي تهمه ، لكن هذا لا يمنعه من المحاولة خاصة مع زبائنه. زبون جديد يدخل الصالون، لا احد ينتظر فيجد طريقه مفتوحاً الى كرسي الاعتراف، واضح ان الزبون يدخل صالون عبد الحق لأول مرة، شبع الأسطى عبد الحق كلاماً من زبائنه المعتادين والمقربين فلا جديد لديهم، الآن هناك فرصة ليستمع الى كلام جديد ولا داعي لأن يكون حذراً مع زبونه فهو لايملك ما يحذر منه أو عليه.. هو بلا رأي.. يجلس الزبون.. يلفه عبد الحق بفوطة بيضاء تغطي نصفه، صوت مذيع الأخبار يعلو من جهاز تليفزيون صغير مثبت على الحائط على يسار كرسي الحلاقة، يبدأ الأسطى عبد الحق عمله في رأس الزبون..وبعد دقائق يبدأ بجملة لها ما بعدها " والله الأحوال في مصر لا تسر عدو ولا حبيب" يرد الزبون في تحفظ شديد " ربنا يصلح الحال " عبد الحق لا يستسلم..يرمي بطعمه الثاني " الناس اللي بتموت كل شوية دي والأسعار ولعت نار وكل حاجة غليت " الزبون تحرك خطوة واجاب اجابة قديمة ومستهلكة " البني آدم هو بس اللي بيرخص " ينتظر عبد الحق برهة ثم يواصل " بس السيسي شغال وبيتعب لكن البلد لمؤاخذة حالتها ضنك وكلها مشاكل وعايزة صبر " الزبون لايرد، يباغت عبد الحق زبونه بسؤال متسرع ومباشر وغير متوقع " قللي يا استاذ ..انت مع مين ؟ " لكن الزبون اجابته حاضرة " أنا مع ربنا " يضحك عبد الحق بخبث ويرد " ونعم بالله " ويصمت برهة ثم يواصل " احنا كلنا مع ربنا...لكن تفتكر ربنا مع مين؟ " الأسطى عبد الحق يطرح سؤالاً في الصميم والزبون أيضاً يجيب في الصميم " ربنا مع الحق يا اسطى " يرد عبد الحق " آآآه ربنا مع الحق فعلاً ربنا مع الحق ...ده حتى اسمي عبد الحق..أيوه الله أنا اسمي عبد الحق " يصمت عبد الحق ويفكر ثم يصدر لزبونه سؤالاً آخر " طيب والحق مع مين؟ " فيرد الزبون بخبث " الحق مع صاحب الحق " يضحك عبد الحق ويضحك الزبون وأضحك أنا معهما ضحكاً من القلب، يستانف عبد الحق مناورته مع الزبون ولكن بروح مرحة " نورت المحكمة يا استاذ قصدي نورت عبد الحق..الحق مع صاحب الحق....طيب مين هو بقى صاحب الحق؟ " في هذه اللحظة يمسك الزبون يد الأسطى عبد الحق برفق ثم يدور بالكرسي قليلاً ليواجه عبد الحق ويبدو انه قرر انهاء المناورة " بص يا اسطى متتعبش نفسك ولا تتعبني معاك أنا حريحك بس يارب ترتاح " يرد عبد الحق " انشاءالله حرتاح يا استاذ والله انت وشك سمح والفرج شكله حيجي على لسانك اللي مش عايز ياخد راحته معايا ده...قول يا استاذ قول الله يرضى عليك " يتحدث الزبون " من يوم ما ربنا خلق الكون ده وفيه حق وفيه باطل ..تعرف يا اسطى.. لو كان فيه حق بس كان الكون ده انتهى من زمان ولو كان فيه باطل بس برضه كان الكون ده انتهى من زمان.الباطل بيصارع الحق والحق بيصارع الباطل..ممكن الباطل يكسب مرة اتنين تلاتة لكن في النهاية لازم الحق هو اللي يكسب..في الليلة اللي احنا عايشينها دي اللي معاه الحق هو اللي ربنا حيكرمه وينصره .. ده حيحصل النهاردة ..حيحصل بكرة ..حيصل بعده.. حيصل قبل ما نموت حيحصل بعد ما نموت..الله اعلم..ما تشغلش نفسك يا راجل يا طيب اللي معاه الحق حينتصر واللي على باطل ربنا حيخسف بيه الأرض..لو كنت عايش يا اسطى ربنا يديك طولة العمر حتشوف وحتعرف ولو كنت بعيد الشر ميت لما ربنا يحييك تاني حتشوف وحتعرف"...يفكر عبد الحق هذه المرة بعمق وبعدها يرد " هي كده يا استاذ هي كده وملهاش حل تاني...ريحتني يا أستاذ الله يريح قلبك واحد بسيط زي حلاتي حيتعب نفسه ليه ..صاحب الحق ربنا حينصره وصاحب الباطل ربنا حيخسف بيه الأرض" ...يعيد الزبون الكرسي لوضعه الأول..يستانف عبد الحق عمله.. وبعد ثوان معدودات يطرح عبد الحق زبونه بالقاضية " طيب نعرف بس الحق مع مين عشان على الأقل نقول في حقه كلمتين حلوين ". هنا يرد الزبون " على فكرة يا اسطى ممكن متكملش حلاقة انا خلاص بشد في شعري ". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.