من مدينة عكا، القلعة الشامخة الراسية على شواطئ البحر المتوسط، شمالي إسرائيل، يطل مسجد "الجزار" كتحفة يؤمها السائحون ليتمتعوا بزخارف زينت جدران هذا المسجد وقبته الخضراء بالآيات القرآنية، وتطابق تصميمه مع مساجد إسطنبول التركية. ووفق نشرة تعريفية للجنة أمناء الوقف الإسلامي في عكا (غير حكومية) حصلت عليها وكالة "الأناضول"، يقع المسجد الذي بُني عام 1781، في طرف المدينة القديمة لعكا من جهتها الشمالية. النشرة التعريفية بالمسجد تقول إن أحمد باشا الجزار هو من بناه على طريقة المساجد الفخمة في مدينة إسطنبول، وبالتحديد على نسق المسجد الأزرق، على مساحة واسعة من الأرض، وفي مكان مرتفع حتى يتم الاستفادة من الطابق السفلي. وبحسب مؤسسة الأقصى للوقف والتراث (غير حكومية) فإن أحمد باشا الجزار هو "مسلم من البوسنة، متدين وعسكري، أطلق عليه المستشرقون لقب الجزار، زاعمين أنه كان والياً شديد القسوة، غير أن الحقيقة أنه كان لا يخشى في الله لومة لائم في موقفه من المتآمرين على الخلافة العثمانية". وتشر المؤسسة أن مساحة مسجد "الجزار" تبلغ نحو 4 دونات (الدونم يساوي 1000 متر مربع). وتعتبر عكا من أقدم المدن في فلسطين التاريخية قبل احتلالها من قبل إسرائيل عام 1948، وتقع على ساحل البحر المتوسط، ويعيش فيها 46 ألف نسمة، يشكل الفلسطينيين العرب منهم ما نسبته 27 %، والباقي من اليهود. ويستقطب مسجد "الجزار" يومياً المئات من الزوار، المسلمين والأجانب، ويصل هذا العدد إلى الآلاف في مواسم الأعياد الإسلامية. وفي حديث مع "الأناضول"، يقول طارق دعور، سادن المسجد، إن "المسجد مفتوح في جميع الصلوات، بما فيها الفجر والجمعة، لكن أغلب رواده هم زوار من خارج عكا يأتون للاطلاع على معالمه، أما سكان المدينة فإنهم يصلون في المساجد القريبة من بيوتهم، ولكن في يوم الجمعة يتوافد مزيداً من المصلين إلى المسجد". ووفق دعور، ف"الجزار" هو واحد من أجمل المساجد ثاني أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى في القدس. ويتواجد سبيل جميل التصميم على الجانب الأيمن من درج يؤدي إلى مدخل المسجد الذي تتوسطه ساحة كبيرة مزروعة بأشجار مختلفة كالسرو والنخيل، ويتوسطها متوضأ مستدير، ويحيط بها رواق كبير كان حتى العام 1948 يشمل المدرسة الأحمدية في ركنه الجنوبي الشرقي، والمكتبة الأحمدية في ركنه الشرقي الشمالي. غرف المدرسة الأحمدية، حسب دعور، تستخدم الآن من قبل الموظفين في المسجد ومكاتب للجنة أمناء وقف الجزار، ومخازن، أما الباقي فهو مغلق. وتقول لجنة أمناء الوقف الإسلامي في عكا إن "مدرسة الأحمدية كانت تعتبر من أشهر المدارس في العصر العثماني وبقيت تؤدي رسالتها حتى عام 1948 حيث أغلقت أبوابها وتوقفت عائداتها الوقفية لما طرأ عليها من ظروف الحرب والاحتلال". أما المكتبة الأحمدية فكان يُطلق عليها هذا الاسم "نسبة إلى مؤسسها وموقفها أحمد باشا الجزار، وكانت من أشهر وأهم المكتبات الإسلامية في العالم لما تحتويه من مخطوطات نادرة وقيمة"، وفقاً للجنة نفسها. وفي الساحة (التي تتوسط المسجد) توجد ساعة شمسية حجرية لضبط أوقات الصلاة، ولكن لا يتم استخدامها الآن. والمسجد مربع الشكل تعلوه قبة خضراء كبيرة، وفيه منبر، ومحراب، ورواق علوي خاص بالنساء. وتلفت الأنظار، الزخارف التي زينت جدران وقبة المسجد بالآيات القرآنية. وتقول لجنة أمناء الوقف الإسلامي في عكا إن "في أحدى زوايا المسجد حفظت شعرة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويقال إنها شعرة من ذقن الرسول أحضرها الشيخ أسعد الشقيري من اسطنبول سنة 1910". ويقع ضريح أحمد باشا الجزار المتوفي عام 1804 داخل أروقة المسجد. جمالية تصميم المسجد تدفع المسلمين والأجانب على سواء، لالتقاط الصور في داخله وساحته. وكالة "الأناضول" التقت، خلال جولتها بالمسجد، المواطن شادي أحمد الذي وصل وعائلته من مدينة القدس. يقول شادي: "كثيراً ما آتي إلى هنا في أيام الإجازة فنؤدي الصلاة في المسجد، ونلتقط الصور ثم نقوم بجولات في المدينة". وتقول "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" إن مسجد الجزار "يعدّ أجمل مسجد في البلاد بعد قبة الصخرة في القدس، لكنه بحاجة إلى ترميم". أما دعور فيشير إلى أن "المسجد بحاجة إلى ترميم، فالمئذنة مائلة، والبئر في أسفل المسجد مغلق منذ نحو 10 سنوات، وبالتالي هو بحاجة إلى ترميم، وهذا الترميم يحتاج إلى أموال طائلة".