على الرغم من التحذيرات التي تطلق بين الفينة والأخرى لمخاطر إدمان تعاطي المخدرات بشتى أنواعها، فإن العديد من الشعوب العربية والغربية وقعت في هذا المستنقع، متخذة جملة من الوسائل لمكافحتها ومعالجتها. واللافت في انتشار ظاهرة “تعاطي المخدرات”، أنها زادت بنسبة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة في الدول التي تعاني حالة من الاضطراب السياسي، والفلتان الأمني، وقصور الجهات الحاكمة في اتخاذ التدابير اللازمة للحد منها. وتقدر تكلفة الإجراءات الدولية والمحلية لمكافحة انتشار المخدرات والتوعية بأضرارها وعلاج المدمنين حوالي 120 مليار دولار سنويا، وتمثل تجارة المخدرات 8% من مجموع التجارة العالمية. في التقرير التالي، تسلط “ساسة بوست” الضوء على أبرز دول العالم التي تكافح المخدرات بين شعوبها، وأبرز طرق المعالجة لها: أولا: السعودية قبل عامين ونيف صنفت الأممالمتحدة السعودية على أنها أكبر مستهلك للمنشطات غير القانونية في منطقة الشرق الأوسط، والتي كان أكثرها حبوب “الكبتاجون”، وهي مادة ذات فعالية سريعة، وتتواجد بوفرة. ويستخدمه الشباب السعودي للمساعدة على اليقظة أو لتخفيض الوزن، أو حتى الاستمرار للتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي حتى ساعات متأخرة من الليل، لذلك لا يمكن حصر الأرقام لدى مستخدمي هذا العقار، لكن السلطات السعودية تضبط منه سنويا 60 مليون قرص، أي ما يعادل 10% فقط من إجمالي الاستهلاك في السوق السعودي. وتتخذ السلطات السعودية بعضا من الوسائل لملاحقة مهربي المخدرات، إما الاعتقال أو الإعدام، فضلا عن إنشاء العديد من مراكز التأهيل للحد منها، وإن كانت السعودية لا تريد لهذه القضية أن يتم تداولها في الإعلام بشكل واسع، أو حتى الإقرار بوجودها، كما يرى مراقبون. ويشار إلى أن المدمنين من غير السعوديين يسجنون ويُرحلون من البلاد، فيما السعوديون فإنهم يرسلون عادة إلى أحد المستشفيات الخاصة بعلاج الإدمان في الدولة، وبموجب القانون السعودي تعتبر تجارة المخدرات جريمة عقوبتها الإعدام. ثانيا: مصر خلال تقرير سنوي للهيئة الدولية لمكافحة المخدرات لعام 2014 لفت إلى أن ظاهرة تعاطي الشباب المصري للمواد المخدرة شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الأعوام القليلة الماضية، حتى باتت أكثر رواجا باعتبارها سوقا استهلاكية تستقطب عددًا كبيرًا من تجار المخدرات. وتخطت مصر المعدلات العالمية المتعارف عليها والتي تبلغ نسبتها 5% وصلت الآن إلى 7%! فضلا عن ارتفاعها الملحوظ بعد ثورة 25 يناير عام 2011م، إذ احتلت المركز الأول عالميا في تجارة المخدرات بعد أن كانت الثالث قبل الثورة، وتليها السعودية، وفقا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان. ويعتبر مخدر “الحشيش” هو الأكثر والأوسع انتشارا في مصر بسبب انخفاض سعره، وتمثل تسع محافظات في مصر أكبر سوق لانتشار تجارة وتعاطي الحشيش وهي القاهرة، الإسكندرية، الشرقية، القليوبية، الدقهلية، المنيا، الجيزة، أسيوط، جنوبسيناء والتي تمثل النسبة الأكبر. ولا تختلف طرف مكافحة تجارة المخدرات في مصر عن غيرها من دول العالم، فهي تتنوع بين اعتقال المهربين، وحرق وإتلاف ما بحوزتهم. ثالثا: لبنان ترى الحكومة اللبنانية أن زراعة المخدرات في أراضيها تمثل تحديًا كبيرًا لها، لاسيما وأنها تكافح المروجين لها منذ سنوات، في ظل ضبط أطنان منها بين فترة وأخرى للحد من زراعتها. وفي عام 2013، ضبطت الحكومة حوالي 55 مليون حبة (كبتاجون) المخدرة التي يتم تهريبها إلى منطقة الخليج بشكل منظم في السنوات العشر الأخيرة، بيد أن تدهور الوضع الأمني في منطقة “سهل البقاع” حساس منذ عام 2012 مما يحول دون القضاء على زراعة الحشيش فيها. لكن، ومع استمرار حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها البلاد منذ بضع سنوات، فإنه يصعب على الحكومة اتخاذ قرار حازم وصريح في هذا الموضوع، لتجنب حدوث عدم استقرار أو انفلات أمني أو مناوشات محدودة بين الجيش والأمن من ناحية وتجار المخدرات والمسلحين المتواجدين على الحدود بالمنطقة من ناحية أخرى. ويذكر أن منطقة سهل البقاع اللبنانية الخصبة كانت تنتج ما يصل إلى ألف طن من القنب سنويا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين عام 1975 و1990 وما بين 30 و50 طنًا من الأفيون الذي يستخدم في صنع “الهيروين”. ويشار إلى أن المدمنين أو المتعاطين في لبنان هم 80% ذكور و20% إناث، و80% منهم ما دون الخمسين سنة، على الرغم من اتساع حملات التوعية والعقوبات التي تفرضها القوانين على المتعاطين والمروجين. رابعا: الأردن لا زراعة ولا إنتاج للمخدرات في الأردن، لكن هناك كميات كبيرة من “المورفين والهيروين” المصنع في تركيا ولبنان تنقل إلى سوريا، ثم عن طريق الأردن إلى إسرائيل ومصر والسعودية ودول الخليج. وكان اهتمام سلطات مكافحة المخدرات في الأردن منصبا في السنوات الماضية على الارتفاع المفاجئ في تجارة الهيروين، حيث انخفضت معدلات مصادرة الهيروين خلال الفترة من عام 1992 – 1995، بسبب إجراءات المراقبة الشديدة والعقوبات المفروضة على الاتجار. ومعظم مدمني المخدرات هم من الذكور من سن 25 سنة، ويقدر مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات أن ما يقرب من 25% من المدمنين من النساء. وتشير السلطات الأردنية إلى أن المخدرات المستخدمة بين الشباب هي المهدئات، ويليها الأفيونيات والهيروين، وقد لوحظت مؤشرات على تزايد تعاطي المواد الطيارة بين الشباب الفقراء. خامسا: تونس في دراسة حكومية صدرت مؤخرا، فإن إدمان المخدرات في تونس ارتفع 70 % بعد الثورة، حيث لوحظ أن 30% من الفتيات في تونس يدمنّ المخدرات، فيما 60% من المدمنين هم من الفئة العمرية المتراوحة بين 13 و18 عامًا. وتعد مادة الحشيش والتي تسمى في تونس “الزطلة” هي أكثر المواد المخدرة استهلاكا بنسبة 92% تليها المواد المستنشقة 23.3%، يليها الكوكايين بنسبة 16.7%، والهروين بنسبة 16%، وبالتالي فإن موقعها الجغرافي يعد معبرا لتجارة المخدرات، وخاصة القنب الموجه إلى أوروبا من مناطق الإنتاج في المغرب. أما فيما يتعلق بالتعاطي الحكومي مع انتشار هذه المخدرات في تونس، فإن الحكومة قد سنت مؤخرا قانونا جديدا يتعلق بمستهلكي المخدرات سيعوض القانون الحالي “عام سجن وخطايا مالية للمستهلكين”، من خلال اعتماد نظرة جديدة تشمل التخفيض في العقوبات خاصة بالنسبة للمبتدئين الذين يتعاطون المخدرات لأول مرة. ويرى مراقبون، أن غياب المراكز الصحية لمعالجة المدمنين، والذين يقضون عقوبات في السجن، قد يزيد من استفحال الظاهرة، في ظل تفاقم مشكلات البلاد المتأزمة. سادسا: أفغانستان أخذت زراعة المخدرات ترتفع وتيرتها في أفغانستان منذ احتلالها من قبل أمريكا عام 2001م، ما أدى إلى تصاعد الاتهامات الأمريكية ضد حكومة حامد كرزاي بأنها تحمي تجارة الأفيون في أفغانستان, وبأنها تسير على نفس نهج حركة طالبان التي تشجع زراعة المخدرات في المناطق التي تخضع لسيطرتها. وبلغت صادرات أفغانستان السنوية من الأفيون والهيروين 5,2 مليار دولار بما يوازي 50 في المائة من ناتجها القومي، ما كان له أثرٌ إيجابي في ارتفاع مستويات المعيشة لسكان المناطق الجنوبية على مدى السنوات الماضية في دولة تعد من أكثر البلدان فقرا في العالم. وقال: “نحن بالفعل نفقد أطفالنا في الهجمات الانتحارية والصاروخية والقنابل، غير أن الإدمان حاليا أصبح نوعًا آخر من الإرهاب الذي يقتل رجالنا”. وتدير وزارة الصحة 95 مركزا لمكافحة الإدمان في شتى أرجاء البلاد تسع 2305 شخص، فضلا عن تخصيص الحكومة ميزانية علاج إجمالية لمليون مدمن بقيمة 2.2 مليون دولار سنويا، بما يعادل أكثر من دولارين لكل مدمن سنويا. وطلبت أفغانستان قبل بضعة أيام من روسيا المساعدة في مكافحة المخدرات والإرهاب معا. سابعا: إيران تعد إيران من أكثر الدول المهربة للمخدرات في العالم، فهي أكبر مشتر للأفيون الأفغاني وأحد أكبر منتجي الهيروين في العالم، حيث يأتي 95% من الهيروين في أذربيجان من إيران، بينما تصدر الكمية نفسها من أذربيجان إلى السوق الأوروبية. على المستوى الإقليمي، أصبحت إيران بوابة رئيسة لتهريب المخدرات إلى تركيا والمنطقة العربية، ويعمل مروجو المخدرات في إيران على خلطها بمواد ضارة أخرى قبل تهريبها إلى الخارج بهدف تحقيق نسب عالية من المكاسب المالية. وتجري عمليات تهريب المخدرات الإيرانية إلى دول الخليج، إما عن طريق البحر قادمة من إيران أو عن طريق الحدود العراقية السورية مع السعودية وكذلك عن طريق الحدود اليمنية وخاصة المناطق التي يسكنها الحوثيون الموالون للنظام الإيراني. ولفتت سلطة مكافحة المخدرات الإيرانية في فبراير الماضي، إلى أن إجمالي المدمنين قد وصل إلى 2.2 مليون شخص من بين 80 مليون مواطن إيراني، يتقدّم منهم نحو 1.3 مليون إيراني للعلاج من أجل التخلص من إدمان المخدرات. حتى أن وزارة الصحة الإيرانية لا تقوم بتخصيص ميزانيات كبيرة من أجل إنفاقها على مراكز لإعادة تأهيل مدمني المخدرات في إيران، في حين أن مراكز خاصة تحصّل تمويلا جزئيا من السلطات الإيرانية الرسمية بدأت تتنامى بشكل سريع مؤخرا. ثامنا: الصين في السنوات القليلة الماضية عززت الصين من قدراتها في التعامل مع قضايا المخدرات من خلال مواصلة توجيه الضربات القوية للجرائم ذات الصلة بتهريب المخدرات، والتي تفاقمت في المناطق الحدودية والساحلية. وتتمسك الصين بمبدأ توجيه الضربات الصارمة للمجرمين الذين يشاركون في تهريب المخدرات وبيعها ونقلها وصنعها، وتطبق مواد العقوبات المشددة في القانون الجنائي لمعاقبة المجرمين ذوي السوابق. ويذكر أن الصين كشفت 77 ألف قضية مخدرات عام 2009 وألقت القبض على 91 ألف مجرم مشتبه به وصادرت 5.8 طنًا من الهيروين و1.3 طنًا من الأفيون, و6.6 طنًا من مخدرات الآيس, و5.3 طنًا من الكيتامين, و1.062 مليون من حبوب المخدرات و8.7 طنًا من القنب. وفي العام الماضي أحبطت الشرطة الصينية عمليات عصابة مخدرات وألقت القبض على 28 مشتبها بهم في تجارة المخدرات، الأمر الذي شجعها على متابعتهم بشكل مستمر. تاسعا: المكسيك تعتبر أكبر مصدر أجنبي “للماريغوانا”، حيث تهيمن عصابات المخدرات المكسيكية على سوق الجملة المحظورة باستئثارها بنحو 90% من حجم المخدرات التي تتسرب إلى داخل الولاياتالمتحدة، إذ تتراوح الإيرادات الكلية لمبيعات المخدرات المحظورة ما بين 13.6 مليار دولار و49.4 مليارا. وتواجه الحكومة المكسيكية سبعة تجمعات للمخدرات في البلاد، والتي تقيم تحالفات فيما بينها، أبرزها تجمع “الخليج” المتواجد في 13 من الولاياتالمكسيكية من أصل 31، وتجمع “سينالوا” الناشط في 17 ولاية، وتجمع “خواريز” النافذ في 21 ولاية، إلى جانب تجمع “تيخوانا” العامل في ما لا يقل عن 15 ولاية. وترسل بين فترة وأخرى الحكومة المكسيكية قواتها لمحاربة تجار ومروجي المخدرات بعدما تزايدت أعمال العنف والقتل، من قبل أباطرة المخدرات خاصة في عام 2006م. عاشرا: البرازيل تعمل قوات الشرطة البرازيلية من فترة لأخرى على شن حملة أمنية لمكافحة تهريب المخدرات والإجرام، خاصة في حي “ماري” والذي يقطنه 130 ألف نسمة، أحد أخطر معاقل عصابات تجارة المخدرات. وتداهم السلطات البرازيلية أوكار المخدرات عبر مشاركة قوات أمنية، حتى أنها ارتفعت خلال الأشهر القليلة الماضية لتوفير الأمن والاستقرار بالتزامن مع استضافة مدينة “ريو دي جانيرو” مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2014 والألعاب الأولمبية عام 2016.