لأننى ولأول مرة لم أكتب مقالاً عن الأم.. ولأننى لم تعد تكفينى كلمات الكون لأعبر بها عن حبى وامتنانى للعظيمة التى أنجبتني.. أردت أن أكتب عن البنات اللائى هن ألطف الكائنات.. فلو أردتم رؤية حمرة الحياء والخجل انظروا.. ستجدونه فى وجه البنات، وإذا أردتم لمعة الذكاء والأمل سترونها فى أعين البنات، وإذا أردتم معاينة الطموح والاندفاع إلى قلب الحياة بثقة وحب ورغبة فى إثبات الذات ستلحظوه فى جدية ومثابرة البنات.. المغريات الواقعة عليهن كثيرة جدًا، وربما توقعهن فى شباكها أحيانًا وفى أحيان أخرى تعجز عن ذلك. وبالطبع نحن لا نعدم محاولات الغرب فى بسط أسلحته بنعومة كبيرة لا تخفى على فطن لتلتف حول بناتنا تحت ادعاءات كثيرة كالتطور والتمدين والتحضر، والمساواة وحقوق المرأة، فمنهن من تنساق وراء تلك المغريات ومنهن من تبحث عن جواهرها ونفائس روحها التى تكمن بداخلها.
ما دفعنى لهذا الكلام واقعتان مهمتان سمعتهما عبر إحدى محطات الإذاعة.. أولاهما: محاضرة لأحد المحاضرين كان ينصح البنات لتبتعدن عن مغريات الحياة وزينتها مصورًا الغرب وألاعيبه بالشيطان المريد وعلى البنات أن تلتزمن بأمور دينهن وألا يجرفهن الشيطان إلى هذه المزالق، وهذا جميل أشكر المحاضر عليه وأتمنى منه مزيدا من النصح الرشيد لبناتنا ولكن ما آخذه عليه أنه اهتم فقط بالأمور الشكلية كالملبس والهيئة وطريقة المشى والكلام، وهى أمور معتبرة وتمثل أحد جناحى الطائر، لكنه فى المقابل لم يلتفت إلى نفسية الفتاة وتربيتها وتخلقها بالخلق الكريم، وعلاقتها بمن حولها من أسرة وبيت وعائلة، فلم ينظر المحاضر إلى معاناة الفتيات فى مثل هذه السن الخطرة سن المراهقة الذى ربما لا تجدن فيها من يسمعهن بسبب انشغالات الآباء فى جمع المال وانشغال الأمهات فى أمورهن الخاصة وتركهن فريسة لصديقاتهن مثيلاتهن فى السن لأخذ المشورة والرأي، وكلنا يعلم خطورة ذلك لعدم نضج الجميع، لكنهن تلجأن لذلك مرغمات لأنهن لا تجدن أذنا واعية فيكون ذلك بداية الوقوع فى المحظور..
أما الواقعة الثانية فجاءت لتتمم الواقعة الأولى، وترسم الصورة الصحيحة لبناتنا اللائى هن ألطف المخلوقات وأرقها، حيث استمعت لحوار بديع منطلق ومحب لإحدى البنات فى مدرسة ثانوية لا أتذكر اسمها وهى تتحدث عن أهمية ثقافة الحوار وأهميته فى المجتمع مستشهدة فى كلامها بآيات من القرآن الكريم وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وكثير من مأثورات عظماء الفكر من المفكرين العرب وغيرهم.
أسرنى ما سمعت من هذه البنت ذات السبعة عشر ربيعًا وهى تحاور المذيعة وتعلن رأيها وتؤكد دورها الذى ينتظرها فى المستقبل والذى تسعى لتحقيقه هى الأخرى بكثير من العلم والإيمان بأخلاقيات دينها ومجتمعها، وفى حوارها أكدت الفتاة: أن على المجتمع أن يتقبل الفتاة ومشاركتها بقبول حسن وأن يفتح لها ذراعيه يصغى إليها ويثق فى أخلاقها ومواهبها وعطاءاتها المتنوعة لتستطيع هى أن تعطى أقصى ما لديها من طاقة بروح الحب التى لا تحوطها روح الالتزام. ترى هل ننجح فى تحقيق معادلة الشكل والمضمون فى تعاملاتنا مع البنات؟