بحيوية، يتفاعل مجموعة أطفال فلسطينيين من ذوي الاحتياجات الخاصة مع أصوات موسيقى هادئة تنساب داخل إحدى قاعات المركز الوطني للتأهيل المجتمعي في مدينة غزة، حيث صارت هذه الموسيقى علاجا فعالا لهؤلاء الأطفال "الانطوائيين"، ما مكن الكثيرين من مغادرة عزلتهم والاندماج في المجتمع. بعد أن تسللت أصوات موسيقية إلى مسامع الطفلة سيدال أبو سخيل (10 أعوام)، المصابة ب"شلل دماغي"، بدأت، وب"حروف ثقيلة"، تردد كلمات أغنية "عصوم ووليد"، وهي أغنية طفولية تفضل سماعها، لتشجع بقية الأطفال على التفاعل معها بالغناء والتصفيق في جلسة يحضرها أكثر من 20 طفلا. سيدال تتمنى أن تجيد العزف على آلات موسيقية لتغيّر نظرة الكثيرين إلى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولتزود آخرين بالسعادة عبر الموسيقى، كما تقول الطفلة لوكالة الأناضول. وبحسب إحصاء لمركز سواسية لحقوق الإنسان في غزة عام 2013، يبلغ عدد المعاقين في القطاع حوالي 70 ألف معاق، وهو من أعلى النسب في العالم، حيث يمثل نحو 4% من سكان غزة. ولا يوجد إحصاء بعدد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة، الذي فرضت عليه إسرائيل حصارا برا وبحرا منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، وشددته إثر سيطرة الحركة بالقوة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، ولا تزال تفرض ذلك الحصار رغم تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في يونيو/ حزيران 2014. ألين عوض الله، وهي مختصة نفسية في المركز (غير حكومي وغير هادف للربح) ومشرفة على جلسات العلاج ب"الموسيقى"، تقول إن "الطفلة سيدال كانت قبل أن تشارك في جلسات العلاج بالموسيقى، طفلة إنطوائية عديمة الثقة بالنفس بسبب شعورها بالاختلاف عن الآخرين". وتوضح عوض الله (32 عاما) أن "سيدال هي واحدة من مئات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة، الذين حطّمت نظرة المجتمع السلبيّة لهم، ثقتهم بأنفسهم". وبشأن ظروف إطلاق برنامج العلاج النفسي بالموسيقى في المركز، الذي أنشئ في غزة عام 1995، تقول: "في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة (في السابع من يوليو/ تموز الماضي) نتجت الفكرة عن الحجم الكبير للضغوطات والمشاكل النفسية التي خلفتها الحرب، لا سيما وأن المشاكل النفسية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة نظراً لحالاتهم الصحية والجسدية". الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، قتلت أكثر من ألفي فلسطيني، وجرحت نحو 11 ألف آخرين، أصيب 40% منهم، بحسب الاتحاد العام للمعاقين في غزة، بإعاقات دائمة ما بين حركية وسمعية وبصرية. فيما قتل 68 عسكريا وأربعة مدنيين إسرائيليين، وعامل أجنبي واحد، وأصيب 2522 إسرائيلياً، بينهم 740 عسكريا، بحسب أرقام رسمية إسرائيلية. وتلفت عوض الله إلى أن "عددا كبيرا من الأبحاث الدولية أثبت أن علاج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بالموسيقى هو علاج فعّال وناجح". وتمضي المختصة النفسية في المركز الوطني للتأهيل المجتمعي بغزة، الذي يقدم خدماته دون مقابل، قائلة للأناضول إن "العلاج بالموسيقى يلامس الجهاز العصبي بشكل مباشر، ويؤثر في الوجدان، وهذا من شأنه أن يعالج ويحسّن الصحة النفسية للطفل، ويعمل على دمجه في المجتمع". و"من أكثر المشاكل النفسية التي يعاني منها الأطفال ذوي الإعاقة في غزة، وساهمت جلسات العلاج بالموسيقى، التي بدأت في يناير/ كانون الثاني الماضي، في القضاء عليها، الخجل، الإنطوائية، الوحدة، ورفض الالتحاق بمقاعد الدراسة"، كما تقول عوض الله. وتتابع: "لاحظنا حدوث تطورات إيجابية على الصعيد النفسي للأطفال الذين التحقوا بجلسات العلاج النفسي، فبعضهم التحق بمقاعده الدراسية، وآخرين تغلبوا على ظاهرة الخجل والإنطوائية، عدا عن الاختلاط مع الآخرين واللعب معهم". عوض الله تلفت إلى أن "المركز الوطني للتأهيل المجتمعي يعمل على دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع لينشئوا في بيئة صحية، ويشقّوا طريقهم كالأطفال الأسوياء.. وسيكثف المركز من جلساته العلاجية بالموسيقى خلال الفترة المقبلة ليشمل أكبر عدد من الأطفال". وتستخدم آلاتي "العود" و"الكمان" لمساعدة هؤلاء الأطفال على تجاوز مشاكلهم النفسية من خلال المركز، القائم على التبرعات بنظام المشروعات، بمعني تقديم مشروع لجهة، وهي تقبل بتمويله. صلاح أبو حمد، وهو عازف "كمان"، يقول لوكالة الأناضول إن "جلسات العلاج بالموسيقى بدأت بشكل فردي بين مجموعة من العازفين الذين أرادوا أن يخففوا من الصدمات النفسية للحرب الإسرائيلية على الأطفال الغزيين، خاصةً المعاقين منهم". وعن ردود أفعال الأطفال، يوضح أبو أحمد (45 عاما) أنه "بعد عدة جلسات لاحظنا أن هناك تفاعلا واستجابة من الأطفال للموسيقى، وبدأوا في الخروج عن صمتهم عبر الغناء والتصفيق والضحك مع بعضهم". هؤلاء الأطفال، بحسب العازف الفلسطيني، "يترجمون مشاعرهم عن طريق الغناء والموسيقى، ووجدوا منها طريقة لتوصيل صوتهم إلى مجتمعٍ يهمشهم". والعازفون في هذا المركز، وفقا لمراسلة الأناضول، هم متبرعون بعزفهم دون أي مقابل مادي من أجل التخفيف عن الأطفال. وفي الأشهر المقبلة، "سيتم تكثيف جلسات العلاج بالموسيقى.. ونأمل في ظهور فرقة موسيقية يديرها أطفال ذوي احتياجات خاصة بأنفسهم"، بحسب "أبو أحمد".