تظل الحواجز السياسية بين الدول العربية حجر عثرة فى طريق انشاء شبكة طرق بينية تتيح للمواطن العربى سهولة التنقل من دولة لأخرى بأقل مجهود مادى, على غرار دول الاتحاد الاوروبى, التى تغلبت على حواجز الاختلافات اللغوية والثقافية.. والأهم من ذلك على ميراث العداء الذى خلفته الحروب الطويلة بين دول القارة الأوروبية. صعوبة الوصول الى الدول العربية والتواصل بين مواطنى تلك الدول يرسخ تغييب المواطنين العرب والمسلمين عن ادراكهم ودرايتهم لثقافات وعادات بعضهم البعض. الى هذا الحد ادركت جهلى بثقافة الشعب المغربى.. عاداته..وتقاليده.. عند أول زيارة لى للمملكة المغربية نظرا لعدم وجود شبكة طرق وتفاهمات ادارية تسهل تنقل الأفراد كى يستطيعوا ان يقيموا بناء معرفيا عن الدولة الأخرى. تجدر الإشارة هنا الى أننا نعتبر مدينين للشعب المغربى لأن مايحمله من ادراك لثقافة الشعب المصرى لايقارن بما يعرفه المصريون عن المغاربة.. صحيح ان الفن المصرى الرصين كان له دور فى ترجيح كفة المعارف لدى المغاربة عن المصريين .. ولكن لم يكن الفن بمفرده سببا.. بل هناك أسباب أخرى روحية وعلمية وانسانية.. تكمن فى تقدير المغاربة لدور العلم والعلماء والفقهاء ولاسيما من الأزهر الشريف. لذا فأنا أراه تشريفا لى كمصرى أن أستمع الى عبارات الإطراء والتقدير من الشعب المغربى الخلوق تجاه المصريين.. وهذا هو دين فى رقبتنا تجاه إخوتنا فى المغرب. للأسف طالت مقدمتى .. كنت أريد أن أحكى للسيد عبدالاه بن كيران رئيس وزراء المغرب عن حلم أضعت عليه شبابى.. واقتسمت من أجله رزقى.. فكم كنت أوفر من الكفاف كى أنفق على حلمى كى أراه واقعا فى مصر بلدى الحبيب.. لم يقتصر حلمى على مصر.. بل كنت أحلم به لكل دولة فى محيطنا العربى.. كنت أحلم أن ارى وطنا نظيفا نستطيع أن نفاخر به أمام دول العالم.. أولا لأننا كمواطنين فى حاجة الى ذلك كما أن الفرق بين القبح والجمال وادراك النفس له.. هو مؤشر عما يمكن أن يكون عليه صورة وطن.. ومستقبل أطفال , غير أن الزائرين لبلادنا من الدول المتقدمة النظيفة..ينظرون الينا باندهاش كدول عربية يغلب فيها الدين الإسلامى.. ويعلمون أن المسلم لابد له أن يتوضأ قبل الصلاة.. وبالتالى فهم يرون أن العقيدة فى جوهرها تحث الانسان على النظافة.. أما الواقع يبرز مشهدا مختلفا مخزيا. كنت أطور أفكارا ذاتية للقيام بحملات للتوعية بقيمة النظافة داخل قريتى والقرى المحيطة .. كنت أذهب للمدارس حاملا جهاز البروجيكتور والصور وأكياس البلاستيك الملونة لعمل محاضرات عن كيفية فصل القمامة ثم بيعها أمام أعين أطفال المدارس وخصوصا المرحلة الإبتدائية.. كان الأطفال ينبهرون ويتحسن أداؤهم وتتغير سلوكياتهم. لم يكتمل حلمى الذى بدأته منذ مايقرب من عشرين عاما .. اذ لم تتوفر الإرادة على كافة المستويات السياسية أو الإعلامية أو التربوية. الا أننى رأيت فى المغرب ما أثلج صدرى.. فالوافد الى المغرب لايحتاج الكثير من الوقت كى يعرف الى أى اتجاه يسير هذا البلد الطيب أهله. المغرب يخطوا بأقدام ثابتة على كافة المحاور .. فنجاحات المحور الفلاحى تبرز الفلسفة الايجابية التى ينتهجها المغرب بصفة عامة .. كما أن النهضة فى مجال البنية الأساسية يثير الاعجاب. غير أننى أرى أيضا نهضة بيئية ولكنها فى حاجة الى تغيير السياق كى نصل الأكثر نظافة.. فى حاجة الى خطة مختلفة تبدأ باطفال المدارس عبر المملكة تحت شعار لن ألوث الأرض ولا الهواء..على أن تفضى تلك الفكرة, التى يجب التعامل معهاعلى أنها رسالة وليست حملة مؤقتة, الى أن يقتنع كل أطفال المرحلتين الإبتدائية والإعدادية على مستوى المغرب بأن القاء كيس الشيبسى على الأرض يعد جريمة. النجاح فى ذلك سيكون عملا رائدا على مستوى العالم العربى والاسلامى.. ويشكل نموذجا مفاجئا للمدتمع الغربى.. المهم البحث عن بداية جديدة وسط مرحلة عمرية محددة من داخل برنامج رصين وغير تقليدى. عندها سنحقق قفزة عددية فى تكوين الأفراد نحو فهم مختلف للبيئة والنظافة.. هؤلاء الأطفال سيغيرون فى أسرهم وسيكونون رسلا للحلم الجديد.. وسوف يضاعفون عدد المواطنين المنخرطين فى الفكرة الجديدة.. كل بلد في دولنا العربية فيها ادارات للبيئة والنظافة والتى تعمل بكامل طاقتها .. ولكن المحصلة غير جيدة لان الأفكار تقليدية. أنا على ثقة أننا نستطيع أن نرى المغرب مثل سويسرا من خلال خطة رباعية أو حتى ثنائية.. لاسيما أن عناصر التفوق متوفرة داخل المغرب .. بداية من الطبيعة الرائعة وانتهاء بتوفر الإرادة السياسية نحو جعل المغرب بلدا عصريا يفتخر به كل عربى ومسلم. متى سنسمع عن ادراج هذا الحلم على رأس قائمة الوعود الانتخابية ؟ الملك محمد السادس صاحب الطباع الهادئة والنظرة الثاقبة ومن خلفه الحكومة برئاسة بن كيران سيغيرون وجه التاريخ من منظور بيئى .. وستكون المغرب نموذجا لدول المنطقة وواجهة مشرقة على الضفة الأخرى للقارة الأوروبية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.