قال رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في ليبيا، علي الترهوني، إن الهيئة تتجه نحو النص على اللامركزية، والنظام السياسي الأقرب حتى الآن هو "البرلماسي" (المزدوج)، مشددا على أن الهيئة تسعى إلى دستور توافقي لكل الليبيين "رغم العقبات والتحديات الكبيرة" التي تعصف بالبلاد منذ الإطاحة بالعقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، عام 2011. وتتألف هذه الهيئة من ستين عضوا منتخبين (20 لكل من إقليمي طرابلس وفزان بالجنوب، وبرقة بالشرق)، ويناط بها صياغة مشروع دستور دائم للبلاد، وتتمتع بالشخصية الاعتيادية والذمة المالية المستقلة، وبدأت عملها يوم 21 أبريل/نيسان 2014، ومن المقرر أن تقدم المسودة الأولي أواخر ديسمبر/كانون الأول المقبل. والهيئة مقسمة إلى 8 لجان نوعية، كل منها مكلفة بباب من أبواب الدستور ال12، وهي مستقلة ولا تخضع لأي من طرفي الصراع في ليبيا. وبحسب الترهوني، في مقابلة مع وكالة الأناضول، فإن "الهيئة تستند في عملها إلى عدد من الثوابت، أهمها أن تكتب دستورا لكل الليبيين بمختلف توجهاتهم وآرائهم، وأن يستوعب هذا الدستور كل الليبيين داخل وخارج البلاد، وأن يكون توافقيا رغم العقبات والتحديات الكبيرة التي نواجهها، وأن يكون الدستور بعيدا عن التجاذبات السياسية والانقسامات التي تشهدها ليبيا". ويعاني هذا البلد العربي الغني بالنفط من صراع دموي مسلح على السلطة بين حكومة عبد الله الثني (تعترف بها المؤسسات الدولية)، التابعة لمجلس النواب بمدينة طبرق في الشرق (قضت بحله المحكمة العليا في العاصمة طرابلس)، وبين حكومة عمر الحاسي، المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام (منتهية ولايته وعاود الانعقاد)، والتي تتخذ من طرابلس (غرب) مقرا لها. الترهوني رأى أن "أجمل ما في الهيئة أنها تمثل كل الليبيين، وبالتالي كل ما هو موجود في ليبيا ممثل في الهيئة، وهي حريصة على أن تبقى بعيدا عن التجاذبات والانقسامات، وموقفنا من هذه الانقسامات هو دعم الحوار (بين الفرقاء الليبيين) للخروج من هذه الأزمة". وفي كلمة من ليبيا عبر دائرة تلفزيونية مع مجلس الأمن الدولي، قال مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا، برناردينو ليون، خلال جلسة مشاورات حول ليبيا، أمس، إن "القادة السياسيين أحرزوا تقدما كبيرا نحو حل الأزمة الحالية، وسيبحثون خلال الحوار إعداد الدستور". وأعلنت بعثة الأممالمتحدة للدعم بليبيا، في بيان أمس الأول الثلاثاء، استئناف جولات الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة، بالمغرب اليوم الخميس، بعد موافقة جميع الأطراف المدعوة للمشاركة. وحول موقع الشريعة الإسلامية في الدستور المقبل، أجاب الترهوني بأن "الدستور قطعا لن يكون مخالفا للشريعة، وهذا موضوع مهم لليبيين والليبيات، فالشريعة الإسلامية ستكون مصدر للتشريع". وتابع بقوله للأناضول إن "الليبيين لا يهمهم هذه المسألة فحسب في الدستور، وإنما تهمهم كذلك مسائل أخرى، منها الأمن وشكل الدولة ونظام الحكم واللغة.. لدينا العديد من القضايا، وبصورة عامة هناك الكثير من المقترحات". وبشأن إن كان الدستور المقبل سيتضمن أبوابا أو فصولا متعلقة بالمشاكل الحالية التي تكابدها ليبيا، من قبيل المصالحة الوطنية، وقانون العزل السياسي، قال رئيس هيئة صياغة الدستور إن "هناك بابا في الدستور اسمه التدابير الانتقالية، ومما تمت الموافقة عليه أن يكون الدستور منطلقا من الواقع الذي نعيشه، وهو وثيقة للمستقبل ستتضمن عددا من القضايا المهمة، مثل المصالحة الوطنية". ومضى قائلا: "وسيتناول هذا الباب كذلك جزءا من المشاكل التي تعانيها ليبيا الآن، ولكن الشيء الواضح هو أننا كلجنة تأسيسية لسنا ملزمين بأي قانون (يقصد العزل السياسي) ظهر من أي جهة كانت؛ لأننا نحن الجهة الشرعية والتأسيسية المنتخبة لصياغة الدستور". وفي الشهر الماضي، صادق مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق على مشروع قرار لتجميد العمل بقانون العزل السياسي، الذي كان المؤتمر الوطني العام قد أصدره يوم 5 مايو/ أيار 2013، ويقضي بعزل الشخصيات التي عملت ضمن نظام القذافي. وبينما طالب ليبيون بتثبيت هذا القانون وتوسيعه ليشمل قطاعات أخرى من نظام القذافي، طالب آخرون بإلغائه؛ بدعوى أنه أفسد الحياة السياسية في ليبيا، وكان أحد أسباب ما تعانيه البلاد من صراع دموي. وحول مشكلة عدم وجود ممثلين للأمازيغ في الهيئة جراء تعطل العملية الانتخابية في عدد من المناطق التي كان مفترضا أن تفرز ممثلي الأمازيع، أجاب الترهوني بأن "هناك أمازيغ في الهيئة، ولكن هم من جهات أخرى، ويمثلون كتلا أخرى ولا يمثلون الأمازيغ.. وهناك تواصل وتباحث بين الهيئة وممثلين عن المكون الأمازيغي، ولا نزال نأمل ونسعى إلى أن يلتحقوا بنا في الهيئة للوصول إلى أكبر توافق ممكن حول الدستور المقبل". وقال رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، إبراهيم مخلوف، للأناضول العام الماضي، إن "الأمازيغ لهم الحق في دسترة لغتهم وهويتهم، ولن نعترف بالدستور المقبل؛ لأنه لا يلبي هذا الحق". وعن التوجهات العامة للدستور المقبل، قال رئيس هيئة صياغة الدستور للأناضول: "إلى حد الآن لم يحسم شيء، وكل ما هو موجود هو اقتراحات من اللجان، ولكن هناك توجه نحو اللامركزية وإعطاء صلاحيات إدارية ومالية واسعة للسلطة البلدية والمحلية". أما بشأن النظام السياسي، فأجاب الترهوني بأن "الاقتراح الأقرب الآن هو أن يكون نظام برلماسي، أو ما يعرف بالنظام المزدوج بين البرلماني والرئاسي، وهناك توافق حول الهوية الليبية ومكوناتها العربية والأمازيغية والطوارق والتبو.. فهذه الهويات لا تتجزأ وتأخذ مكانها في إطار المواطنة وجميعها متساو.. وهناك تفاصيل أخرى حول اللغة والهوية ستأخذ وقتها في النقاش".