تعتمد الدول المتقدمة على البرلمانات في التشريع والرقابة , حيث يمثل أعضاؤها طليعة الشعوب وقادتها وخيرتها , وكلما ازداد وعي الجماهير في الاختيار كلما أتى البرلمان على أحسن تمثيل للأمة , أما إذا تدخل المال وغلب التلاعب جاء البرلمان على نحو فاسد يضر بالمجتمع لصالح فئة معينة لاعلاقة لها بالجماهير وطموحاتها , ومن هنا كانت أهمية قانون الانتخابات ليضع القواعد المنظمة بعد مشاورات مع كافة القوى السياسية , ثم يعرض على المحكمة الدستورية للاطمئنان على موافقته للدستور قبل التطبيق فتكون الرقابة السابقة أجدى وأنفع من تطبيق قانون ثم يحكم بعدم دستوريته ونكون قد خسرنا مئات الملايين من الجنيهات في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لكل قرش يجب أن ينفق في موضعه . ومن عجائب الحكومة الراهنة أنها أسرعت إلى الإعلان عن قانون الانتخابات قبل الحوار المجتمعي , بل وتجاهلت كل طلبات المعارضة مما جعل القانون عرضة للنقض من المحكمة الدستورية العليا في مراحل الانتخابات وما بعدها .. ومن أخطر ما رأيته في القانون تقسيم الدوائر الذي لم يراع فيه الوزن النسبي في التمثيل وكأننا عدنا إلى أيام المخلوع مبارك حيث كانت تضاف مدينة إلى دائرة معينة أو تحذف من دائرة آخرى لإنجاح مرشح أو لتفشيل آخر !! , كما إنني لست مع (الكوتة) لأي طائفة سواء كانت المرأة أو الأقباط أو غير ذلك , فيكفي نجاح بعضهم في المجلس التشريعي , فإن خلا المجلس فللرئيس أن يعين عدداً من هؤلاء من تلك الحصة المخصصة له , لإن إقرار هذا المبدأ ( الكوتة ) سيجعل هناك من يطالب بتواجد في البرلمان مثل العاطلين وهم ثمابية ملايين , والباعة الجائلين وهم عدة ملايين , وغير ذلك من قطاعات المجتمع الفئوية وهو أمر مخالف للدستور , ولقد طالعت خبراً في أحد المواقع الإخبارية مفاده أن الكنيسة شددت على أن أي قبطي يرشح نفسه على قوائم حزب النور سيحرم من دخول الكنيسة !! وبهذا يكون شرط تكوين القوائم قد شابه تدخل ديني مانع من حرية الأحزاب في تشكيل قوائمها , وهو مخالف للدستور وسوف يتعرض القانون للنقض إن لم يتم تعديله في إطار الملاحظات التي قدمتها قوى المعارضة , ثم إنه من العجيب أن يُفرض على المرشح كشفاً طبياً يتكلف عدة آلاف من الجنيهات وكأنه مرشح ليكون طياراً أو قائداً لمركبة فضائية وهو ما يفتح الباب أمام طعن دستوري جديد . إن الذي يجب أن تعرفه الحكومة أن الخطأ المعفو عنه في التصرف المالي هو الذي يكون فيه تقدير الحكومة في المسألة محتملاً , ومحل اجتهاد مقبول أما أن يكون التصرف خطأ محضاً يتضح للعيان , فإن الحكومة تغرم المال الذي أنفقته من مال المسئولين عن القرار وليس من المال العام . إن الفرصة اليوم سانحة لمراجعة كافة القوانين التي صدرت في غيبة البرلمان إذ أن الذي يبدو أن الحكومة لا ترغب في وجود البرلمان من أساسه لكونها تعتبره عقبة على طريق الآداء والنجاح خاصة وأن الدستور أعطى البرلمان سلطات واسعة في التشريع والرقابة الصارمة وبالتالي فإن الحكومة غير مهتمة بضبط القوانين وفقاً للدستور فكلما تم الطعن عليها أعيدت الانتخابات وبقيت السلطة التشريعية إلى جوار سلطتها التنفيذية لأطول فترة ممكنة , وهذا خطأ جسيم يلقي بظلال داكنة على النوايا إن لم يتم معالجة الأمور التي عزفت بسببها الأحزاب والقوى السياسية عن المشاركة في الانتخابات القادمة , ثم إننا يجب ألّا ننسى أن انسحاب قوى المعارضة من انتخابات 2010 كانت أشبه بالشرارة التي انطلقت بعدها ثورة 25 يناير , كما يجب ألّا ننسى أيضاً أن عدم استجابة الحكومة لمطالب المعارضة والنظر فيها في عهد الدكتور محمد مرسي كانت سبباً في إسقاط نظام منتخب ودخول البلاد في أزمة كبرى , فعلينا كحكومة ومعارضة ومواطنين أن نعمل بتجرد لإنجاز كل ما يفيد وطننا , وأرى أنه من أوجب الواجبات اليوم هو أخذ الخطوات الجادة نحو المصالحة الوطنية ورأب الصدع ورد الحقوق إلى أهلها ومحاسبة المتجاوزين من المسئولين عن خرق القانون والدستور على قدم المساواة مع من أراق دم أحد من أبناء هذا الوطن سواء من الجيش أو الشرطة أو المتظاهرين السلميين . هذا وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد وأن يعبر الوطن محنته مرفوع الرأس على المستوى المحلي والدولي . والله المستعان