بعد رفع سعر الخبز، مسئول سابق بالتموين يوجه رسالة قوية لرئيس الوزراء    البنك الأهلي يطلق خدمة إضافة الحوالات الواردة من الخارج لعملاء المصارف لحظيا    مؤيدون لفلسطين يرشقون الشرطة الألمانية بالحجارة خلال تظاهرة في برلين (فيديو)    ناد أمريكي يغازل راموس ب 12 مليون يورو    بداءً من اليوم، فتح باب التظلمات على نتائج الشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    تحرير 13 محضرًا تموينيًا في بلطيم بكفر الشيخ    القليوبية تنهى استعدادات امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    اليوم، ياسمين رئيس تحتفل بزفافها على رجل الأعمال أحمد عبد العزيز    بوليتيكو: الاتحاد الأوروبي يعتزم "معاقبة" رئيس الوزراء المجري بسبب أوكرانيا    إغلاق 3 مراكز دروس خصوصية في الإسكندرية.. والحي يصادر الشاشات والتكييف- صور    أمين الفتوى: من يذبح الأضاحي في الشوارع ملعون    581 طالبا بكلية التمريض جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية يؤدون امتحان مقرر أمراض الباطنة    السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين اليوم.. تفاصيل    الإمارات تدعو لضرورة إيجاد أفق لسلام عادل وشامل فى منطقة الشرق الأوسط    كوريا الشمالية تُطلق وابلا من الصواريخ البالستية القصيرة المدى    إعلام إسرائيلي: 10% من المطلوبين للخدمة العسكرية يدّعون الإصابة بأمراض عقلية    لافروف: اتفاق زيادة التعاون الدفاعى مع الصين ليس موجها ضد أى دول أخرى    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    كهربا: أنا أفضل من مرموش وتريزيجيه    شوقي غريب: رمضان صبحي يستحق المساندة في الأزمة الحالية    اليوم.. النطق بالحكم على حسين الشحات في واقعة محمد الشيبي    أسعار الذهب فى مصر اليوم الخميس 30 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد في مصر بداية تعاملات اليوم الخميس 30 مايو 2024    17.5 مليار جنيه إجمالي إيرادات المصرية للاتصالات خلال الربع الأول من 2024    المدارس تواصل تسليم طلاب الثانوية العامة 2024 أرقام الجلوس    «بسبب صورة على الهاتف».. فتاة تقفز من الطابق الثامن بالمرج    وفاه إحدى السيدتين ضحايا حادث تصادم الفنان عباس أبو الحسن    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مصرع طفل فى العياط    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    اليوم.. حفل افتتاح الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 30 مايو 2024: مكاسب مالية ل«الأسد» وأخبار سارة ل«الحمل»    مصر تُشارك في الاجتماع الأول للمؤسسة الأفريقية للتعلم مدى الحياة في المغرب    «المستقلين الجدد»: تكريم «القاهرة الإخبارية» يؤكد جدارتها وتميّزها    إندونيسى يكتشف زواجه من رجل بعد زفافه ب12 يوما وقصة حب لمدة عام.. صور    جامعة القاهرة تكرم 36 عالمًا بجوائز التميز لعام 2023    نائب وزير الإسكان يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي لمقاولي التشييد ومسؤولي «مشروعات الإسكان» بليبيا    اعرف شروط ومواصفات الأضحية السليمة من أكبر سوق مواشى بسوهاج    الناس اللى بتضحى بجمل.. اعرف المواصفات والعمر المناسب للأضحية.. فيديو    «الصحة»: افتتاح وتطوير 20 قسما للعلاج الطبيعي في المستشفيات والوحدات الطبية    نصائح هامة عند شراء النظارات الشمسية في فصل الصيف    4 حالات اختناق وسط جحيم مخزن بلاستيك بالبدرشين (صور)    مسؤولون باكستانيون: حرس الحدود الإيراني يطلق النار ويقتل 4 باكستانيين جنوب غربي البلاد    أحمد خالد صالح ينضم لفيلم الست مع مني زكي: دوري مفاجأة للجمهور    سعر الذهب يواصل انخفاضه عالميا.. ماذا ينتظر المعدن الأصفر في الأشهر المقبلة؟    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    علاج أول مريض سكري باستخدام الخلايا في سابقة فريدة علميا    السل الرئوي.. الأعراض والمخاطر والعلاج والوقاية    خالد أبو بكر يهاجم "المحافظين": "التشكيك بموقف مصر لو اتساب هتبقى زيطة"    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    خالد مرتجي: إمام عاشور من أفضل صفقات الأهلي    تريزيجيه يتحدث عن مصيره بعد اعتزال كرة القدم    ميدو يطالب مجلس إدارة الزمالك بالرد على بيان بيراميدز    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخلاق الملوك!
نشر في المصريون يوم 23 - 09 - 2011

الحلم، وسعة الصدر صفة يتحلى بها الرجال ذوو العقل والنبل، بل إن من وهو سبحانه صفات الله تعالى أنه (الحليم) يحب أن يتصف بها عباده، كما قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس [إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة].
وكم كان محمد صلى الله عليه وسلم حليمًا على من يجهل، عاذرًا من يغفل، ضابطًا لنفسه، كافًّا لغضبة:
يبول في المسجد:
في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه حديثًا مفادة أن رجلاً من البادية جافيًّا جاهلاً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فيه بأبي هو وأمي، وحوله الصحابة النجوم الهداة المهديون، فحُصر الرجل، واحتاج أن يفرغ مثانته، وقد اعتاد أن ينتحي من خيمته ناحية ف(يعملها) وأهله حوله كلهم، وربما عمل الشيء ذاته في خيمة شيخ القبيلة، أمام الناس، لا يمنعه عقل ولا ذوق ولا حضارة!
وإذ خال نفسه في خيمته قام فانتحى من المسجد ناحية، ورفع ثوبه، ونسي أن يقول/ أعوذ بك من الخبث والخبائث، وأطلق لنفسه العنان، فسال بوله على أرض مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم/ بوجود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!
ووالله لو عملها أحد الآن في مسجد لقام إليه الناس بأحذيتهم صفعًا ولطمًا، وبأرجلهم ركلاً وضربًا، وربما شجوه أو قتلوه، وقد أراد الصحابة أن يهموا بالرجل (فقام الناس إليه ليقعوا فيه/ فوثب إليه بعض القوم/ فأسرع إليه الناس) غير أن الحليم الرحيم البصير محمدًا صلى الله عليه وسلم عذر في الرجل بداوته وجهالته، ورحم حاجته وإنسانيته، فقال لهم: دعوه يكمل بولته، ولا تقطعوها عليه فيتأذى، وتلويث المسجد أخف من تأذيه؛ فإن دينكم رحمة (لا تذرموه/ لا تقطعوا عليه بولته/ وأهريقوا عليه سَجْلاً ؛ إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)!
اللهم صل وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين! ما أرحمه وأعظمه!
الإمام محمد بن سحنون:
وفي هذه الخصلة النبيلة يروي لنا صاحب كتاب بدائع السِّلْك في طبائع المُلْك لابن الأزرق، أن محمد بن سحنون – من أكابر علماء أفريقية وفضلائهم – كان جالسًا ذات يوم للتدريس في المسجد، فأتاه إنسان يتخطّى رقاب الناس، حتى وصل إليه، فجلس، وظل يعارض كلام ابن سحنون، ويسخر منه، ويحاول تفنيد حججه، وابن سحنون صابر يتأدّب في جوابه ومحاورته.‏
فبقي على ذلك أيامًا كثيرة، وكان إذا ابن سحنون رآه مقبلًا، قال لجماعته افسحوا له!‏ فيأتي الرجل ويجلس، ويشرع في تسفيه أقوال ابن سحنون.‏ ثم انقطع بعد ذلك مدة، فسأل ابن سحنون عنه من حضره فقالوا لا نعرف خبره. فقال‏ اطلبوه! فإذا وجدتموه فأتوني به.‏
فوجدوه فأخذه وخلا به، وقال له‏ ما منعك من الحضور إلى مجلسنا؟‏
فقال‏ يا سيدي، لي بنات قد كبرن، واحتجن إلى التزويج، وأنا فقير. فقال لي بعض العلماء من أعدائك الحاسدين لك‏: إذا استطعت أن تُشَوِّش على ابن سحنون مجالسه، وتُنغِّصَ عليه فيها حتى يدع التدريس في المسجد، فسنُزيل فقرك، ونُجهّز بناتك!
فبقيت تلك المدة أجيء إليك فأقذفك وأشتمك، وأفعل ما قد رأيت، لعلك تغضب، فتترك التدريس، ويحصل لي ما اتفقوا عليه، فلما أيست من غضبك تركتُ ذلك؛ إذ لا فائدة فيه.‏
فقال ابن سحنون‏ لو كنت أخبرتني بحاجتك في أول يوم لقضيتُها لك.‏ وجهّز له بناته من حر ماله!
يا الله.. ما أروعه!
الحليم معن:
وتروى كتب الأدب أن معن بن زائدة كان أميرًا على العراق، وكان حليمًا كريمًا يضرب به المثل فيهما، فقد قدم عليه أعرابي يمتحن حلمه، فقال له مستفزًّا: أيها الأمير:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة... وإذ نعلاك من جلد البعير؟
قال نعم، أذكر ذلك ولا أنساه، فقال البدوي :
فسبحان الذي أعطاك ملكًا.. وعلمك الجلوس على السرير!
قال معن سبحانه وتعالى، فقال البدوي:
فلست مسلِّمًا إن عشتُ دهرًا... على معن بتسليم الأمير
قال يا أخا العرب السلام سنة!
قال سأرحل عن بلاد أنت فيها... ولو جار الزمان على الفقير
قال: يا أخا العرب إن جاورتنا فمرحبًا بك، وإن رحلت فمصحوبًا بالسلامة!
قال فجُد لي يا بن ناقصة بشيء... فإني قد عزمت على المسير
قال أعطوه ألف دينار يستعين بها على سفره، فأخذها، وقال:
قليل ما أتيت به وإني ••• لأطمع منك بالمال الكثير
فقال أعطوه ألفًا آخر، فأخذها البدوي وقال:
سألت اللّه أن يبقيك ذخرًا ••• فما لك في البرية من نظير
قال: أعطوه ألفًا آخر، فقال الأعرابي: أيها الأمير ما جئت إلا مختبرًا حلمك؛ لما بلغني عنك، فلقد جمع اللّه فيك من الحلم ما لو قُسِّم على أهل الأرض لكفاهم، فقال معن: يا غلامكم أعطيته على نظمه؟ قال ثلاثة آلاف دينار، فقال: أعطه على نثره مثلها، فأخذها ومضى في طريقه شاكرًا!
السجاد زين العابدين:
وفي حلم أهل البيت رضي الله عنهم روى أن غلامًا لسيدنا زين العابدين رضي الله عنه كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من خزف، فوقع الإبريق على رجل زين العابدين فانكسر، وجرحت رجله؛ فقال الغلام على الفور: يا سيدي يقول الله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال زين العابدين:
لقد كظمت غيظي؛
ويقول: {والعافين عن الناس}، فقال: لقد عفوت عنك؛
ويقول {والله يحب المحسنين} فقال زين العابدين رضي الله عنه: أنت حرّ لوجه الله!
عبد الله بن طاهر:
وفيه أيضًا قال عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون يومًا، فنادى بالخادم: يا غلام؛ فلم يجبه أحد؛ ثم نادى ثانيًا وصاح: يا غلام! فدخل غلام تركي وهو يقول: أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام! إلى كم يا غلام؟
فنكس المأمون رأسه طويلًا، فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه؛ ثم نظر إلي فقال: يا عبد الله! إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه؛
وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا، لنحسَّن أخلاق خدمنا.
المأمون في مواجهة مواطن:
وممن رأيت لهم أخلاق الملوك وشممهم ما رواه التنوخي في نشوار المحاضرة أنه
رُفع إلى أمير المؤمنين المنصور أمر رجل يُخفي عنده ودائع وأموالًا لبني أمية، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه قال له:
قد رُفع إلينا خبر الودائع والأموال التي عندك لبني أمية. فأَخرجها إلينا.‏
فقال: يا أمير المؤمنين، أوارثٌ أنت لبني أمية؟‏ قال: لا.‏ قال: فوصيّ لهم في أموالهم؟‏ قال: لا.‏
قال: فما مسألتك عما في يدي من ذلك؟‏
فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه وقال:‏
إن بني أمية ظلموا المسلمين فيها، وأنا وكيل المسلمين في حقهم، وأريد أن آخذ ما ظلموا فيه المسلمين فأجعله في بيت مالهم.‏
فقال الرجل:‏ تحتاج يا أمير المؤمنين إلى إقامة البيّنة العادلة على أن ما في يدي لبني أمية؛ مما خانوا وظلموا فيه دون غيره، فقد كان لبني أمية أموال غير أموال المسلمين.‏ فصمت المنصور برهة ثم قال:‏
صدقت. ما يجب عليك شيء.. هل لك من حاجة؟‏
قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن تبعث بكتاب إلى أهلي ليطمئنوا على سلامتي، فقد راعهم طلبك إياي، وقد بقيت لي حاجة أخرى.‏
قال: وما هي؟‏
قال: تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله ما لبني أمية في يدي مال ولا وديعة، ولكني لما مَثَلتُ بين يديك وسألتني عما سألتني عنه، علمتُ أنه ما يُنجيني منك إلا هذا القول، لما اشتهر من عدلك.‏
فقال المنصور: يا ربيع، اجمع بينه وبين من سعى به.‏
فلما جاء به الربيع عرفه الرجل، وقال:‏
هذا غلامي سرق مني ثلاثة آلاف دينار وهرب مني، وخاف من طلبي له ،فسعى بي عند أمير المؤمنين.‏
فشدّ المنصور على الغلام حتى أقرّ بكل ما ذكره سيّده.‏
وقال المنصور للشيخ:‏ نسألك أن تصفح عنه.‏ قال:‏ قد صفحتُ عنه، وأعتقتهُ، ووهبتُ له الثلاثة آلاف، التي أخذها، وثلاثة آلاف أخرى.‏ وانصرف.‏
فكان المنصور يتعجّب منه كلما ذكره ويقول:‏ ما رأيتُ مثلَ ذلك الشيخ قط.
وأقول: لست أدرى من أيهما أعجب:
أمن المنصور ورجوعه للحق، وعدم استفزازه بمنصب الإمارة، وحواره العقلاني المؤمن!
أمن من ذلك الرجل ثابت الجنان، يقظ العقل، قوي الحجة في مثل هذا الموقف الخالع!
يا سقاها الله من أيام!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.