تعود يافع اليمنية، الواقعة جنوبي البلاد، إلى صدارة الاهتمام من جديد، لكن، عبر بوابة الصراع الذي تقوده جماعة (أنصار الله) الحوثيين القادمة من محافظات الشمال. وتصوّب الأنظار نحو جبل "العر"، الذي ارتبط اسمه بالعديد من المعارك، في واحدة من أشدّ مناطق الجنوب اليمني وعورة، في انتظار معركة وشيكة ستكون حاسمة، وسيُحدد من خلالها مستقبل محافظاتالجنوب اليمني قاطبة. وتقف قبائل يافع ذات التاريخ الضارب في القدم، والشهرة الكبيرة في الشراسة والقوة، على تخوم جبل "العر"، فيما يتأهب المسلحون الحوثيون، في حال أحكموا سيطرتهم الكاملة على محافظة البيضاء وسط اليمن، إلى مهاجمة يافع، باعتبارها البوابة التي سيدلف منها مسلحو الجماعة نحو الجنوب. و"يافع" هي مدينة ومركز مديرية يافع في محافظة لحج جنوبي اليمن، وتقع شمال شرق عدن، كبرى مدن الجنوب وعاصمة دولته السابقة. ويكتسب جبل "العر" أهمية استثنائية بين مناطق يافع، وبات هذا الجبل من بين أكثر المناطق تداولاً في وسائل الإعلام، كون قبائل يافع بدأت تتجمع في محيطه، استعداداً لمواجهة مسلحي الحوثي القادمين من جهة محافظة البيضاء. وحسب المصادر القبلية التي تحدثت إلى مراسل الأناضول، فإن جبل "العر" هو بمثابة القلعة الحصينة التي بإمكانها صد مسلحي الحوثي، في حين أنه إذا تمكن الحوثيون من هزيمة قبائل يافع المتجمعين في "العر" فإن ذلك يعني فتح البوابة لدخول الحوثيين إلى محافظاتجنوب اليمن، ك"عدن"، ولحج وأبين. كان جبل "العر" مقراً لأحد معسكرات الحرس الجمهوري في عهد الرئيس السابق علي عبدلله صالح، لكن قبائل "يافع" أجبرتهم في 2011 إبان الثورة التي أطاحت بنظامه على مغادرة هذا الموقع الاستراتيجي وصار يوم إجلاء الجيش من جبل "العر" ذكرى سنوية يحتفل بها أبناء المنطقة، وتقام الاحتفالات في الجبل نفسه. ويؤكد أهالي يافع أنهم لن يسمحوا لمسلحي الحوثي دخول أراضيهم، وأنهم سيدافعون عنها مهما كان الثمن. وقال سالم اليافعي أحد الأهالي للأناضول "سندافع عن أرضنا مهما كان الثمن، وليس من حق الحوثي التواجد أو الدخول إلى أراضي يافع"، بينما قال ردفان السعدي للأناضول إن "جبل العر سيكون مقبرة للحوثيين إذا فكروا في الدخول ليافع". ويعد جبل "العر" أعلى جبال يافع، ويُطل على محافظة البيضاء من جهة الشرق، وعلى "يافع" و"لحج" غرباً، ومساحته المستوية تبلغ نحو 2 كيلو متر مربع. وتكمن أهميته باعتباره البوابة الرئيسية ليافع، من ناحية البيضاء، التي يبعد عنها حوالى 25 كيلومتراً، وعلى مقربة من مديرية "الزاهر" التي سيطر عليها الحوثيون الثلاثاء الماضي بالتنسيق مع بعض رموز القبائل هناك، حسب مصادر قبلية تحدثت في أوقات سابقة للأناضول. وقال "محسن ديّان"، صاحب كتاب "حفاة الجبال.. أطفأوا شمس الإمبراطورية"، إن حاكم عدن الانجليزي القبطان "هينس" حين احتل عدن، وضع في حسبانه أهمية القبائل الجنوبية، وعلى رأسها قبائل "يافع"، وبدأ يراسل تلك القبائل لاستمالتها، باعتبارها مكوناً قوياً لا يمكن الاستهانة به، لكن مهمته فشلت، ليطفئ حُفاة جبال يافع بعد ذلك بسنين عديدة، شمسَ الإمبراطورية، داحضين مقولة "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". وتقول مصادر قبلية للأناضول، مفضلة عدم كشف هويتها، إن "عبدالملك الحوثي" زعيم جماعة "أنصار الله" الشهيرة بجماعة الحوثي، يسير على خطى البريطاني "هينس"، في مراسلة قبائل يافع المتمركزة في جبل "العر"، في سبيل استقطابها إلى جانب جماعته، لا سيما بعد سيطرة مسلحيه على مديرية "الزاهر" القبلية في محافظة البيضاء القريبة من يافع. وتُضيف المصادر أن "قبائل يافع رفضت رفضاً قاطعاً دخول الحوثي إلى أراضيها، وشددت على أن من يتواطأ مع الحوثي فإن مصيره القتل، وفقاً لأعراف تلك القبائل". وعقدت مؤخرا قبائل يافع لقاءً موسعاً اتفقت خلاله على ما أسماه بيان صادر عن اللقاء "أساسيات المواجهة المسلحة مع جماعة الحوثي"، التي تنص على أن مسؤولية الدفاع عن جميع مناطق يافع مسؤولية مجتمعية مشتركة لا تسقط عن أي طرف سياسي أو اجتماعي وتتشارك كل الناس في القيام بها، واعتبار كل من يسقط في هذه المواجهات شهيد ل"يافع" كلها وتتحمل كل الناس مسؤولية إعاشة أسرته وإعانتها ويتحمل الجميع تكاليف علاج الجريح. وأشار البيان إلى أن "أي أضرار قد تتسبب بها الحرب لأي منزل أو مصلحة خاصة يتعاون الجميع في يافع لإصلاحها وجبر الضرر"، إضافة إلى "اعتبار أي شخص يثبت تورطه بالتعاون مع جماعة الحوثي بهدف تسهيل دخولها إلى يافع مباح الدم". ومنذ عدة أيام، بدأت قبائل في محافظة البيضاء وسط اليمن، بعقد تحالفات مع قبائل منطقة "يافع" بمحافظة لحج الجنوبية، لصد جماعة الحوثي، على اعتبار أن منطقة "يافع" هي هدف الحوثيين القادم بعد استكمال السيطرة على مديرية "الزاهر". ومنذ أيام توغلت جماعة الحوثي في عدد من مديريات البيضاء وسط اليمن، تحت غطاء الجيش والأمن، وبدعوى محاربة القاعدة، بعد أشهر من المواجهات خاضتها في منطقة "رداع" مع مسلحي القبائل مدعومين بمسلحي القاعدة، راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من الطرفين. ووفق المصادر القبلية التي تحدث للأناضول، فإن هناك شكوكا حول دور الجيش في معارك الحوثيين، وخاصة ما تبقى من مقاتلي الحرس الجمهوري، الذي يبدو أنه يُصفّي حساباته مع قبائل "يافع" التي طردته في 2011، تحت لافتة جماعة الحوثي.