منذ اخترع "جوتنبرج" الطباعة، أصبحت الصحافة من المواضيع الهامة، التي شغلت العالم الإنساني، الذي كان يبحث عن وسيلة فعالة وسريعة، يستطيع بها أن يقضى على الجهل وعصور الظلام، وأن تكون أيضاً أداة ناجعة لنشر المعارف الإنسانية، وجعلها فى متناول السواد الأعظم من الجماهير، ولهذا وبسبب ذلك تعاظمت حرية الصحافة فى العصر الحديث، الذي تميز بانتشار النظم الديمقراطية، التي تتيح للشعب حرية التعبير عن آرائه وأفكاره، فهي أساس كل ديمقراطية، وتتلخص فيها كل معاني الحرية، لأنها الوسيلة التي تمكن كل فرد من التعبير عن آرائه وإظهارها، والعمل طبقاً لوجدانه وعقيدته كمواطن ضمن حدود القانون. ولأن الحريات جميعها متضامنة فيما بينها، ولأنها كل لا يتجزأ، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، فليس هناك إلا حرية واحدة، وأن انتهاك إحداها هو انتهاك لجميع الحريات، حيث لا حرية للتفكير بدون الحرية الفردية، ولا حرية للتعبير عن الرأي بدون حرية الاجتماع والتظاهر والاعتصام السلمي، ولا حرية للمواطنين فى اختيار زعمائهم بدون حرية نقدهم. ولأن حرية الصحافة هي الجامعة لكل هذه الحريات - السابق بيانها- والمعبرة عنها، فإنها تمكن الشعب من انتخاب ممثليه بحرية، ولهذا اعتبرت الصحافة بحق مدرسة الشعب فى حكومات الرأي، لأنها تقوم بواجبها فى مراقبة الحكام مراقبة فعالة بمناقشة أعمالهم فى إدارة شئون البلاد، وفى انتقادهم إذا ما ارتكبوا أخطاء جسيمة كانت أو تافهة، وفى إرشادهم إلى طرق الإصلاح التي تتطلبها المصلحة العامة للدولة ومتطلبات أمنها القومي، فضلاً عن دورها الهام والأصيل فى تكوين الرأي العام وتهذيبه، ورفع مستواه الثقافي والسياسي والمعنوي. لهذا وبناء على ما تقدم فإننا سوف نضع أمام كل من يمتهن مهنة الصحافة فى بلادنا، بعض الحقائق التي نراها لازمة كي تقوم صاحبة الجلالة بدورها المأمول فى رفع وعى الجماهير المصرية السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك على النحو التالي : ** الشعب – أي شعب – لا يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه وأن يبدع وينتج ،إذا كانت حرية التعبير عن الرأي معدومة . ** الدولة التي تحرم على رعاياها حق التفكير، وحق تبنى الأفكار التي يعتقدون بصحتها والدعوة لها علناً،لا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية، وإنما هي دولة استبدادية بامتياز. ** روح الديمقراطية هي حرية الصحافة، وهى الشرط الأساسي لوجودها . ** الفرق الجوهري بين الديمقراطية والديكتاتورية، يظهر فى أن الأولى تعترف للفرد بحرية التفكير وبحرية نشر الأفكار التي يؤمن بها، مهما تكن هذه الأفكار مبالغاً فيها ،أو مضادة لما أجمع عليه الناس، بينما تنكر الثانية عليه هذه الحرية، وتفرض عليه أن يفكر بطريقة معينة، وألا يحبذ أو يروج من الآراء إلا تلك التي يريدها الحاكم الديكتاتور. ** أن هناك حاجة ماسة لحماية حرية الصحافة من الناحية الاقتصادية، بعدما غدت صناعة وأصبحت فى حاجة لمن يمتلك رأس المال، مما قد يجعلها فريسة فى أيدي أصحاب المال ،ليوجهوا سياستها التحريرية حسب أهوائهم ، بقصد التأثير على الجمهور، أو السلطة السياسية، لتحقيق أغراض ومنافع خاصة لهم قد لا تتفق مع المصلحة العامة، مما يشوه الدور الذي تلعبه الصحافة فى المجتمع. لذلك وعلى ضوء ما تقدم نقول: أن الصحافة المصرية مازال أمامها طريق طويل من النضال حتى تنال كامل حريتها، وحتى تقوم بدورها المأمول فى بث المبادئ الديمقراطية بين الجماهير، وحتى تتخلص من الدخلاء على المهنة الذين يفهمون الصحافة على أنها قلم سيال، وقدرة على إلباس الباطل ثوب الحق، وعقل يملك مهارة الاحتيال على الجماهير، من خلال "سربلة أدنأ الأغراض بأنبل الشعارات، حتى يدخلهم السلطان فى حاشيته ويرفعهم من أسفل السلم الاجتماعي إلى حيث يصبحون أقرب ما يكونوا إلى القمة ،ولا يغادرون مكانهم حين يغادر السلطان عرشه ،ولكنهم يغيرون مواقفهم إذا ماعن للسلطان أن يغير مواقفه ،أو يوم يخلفه خليفة يسير على خط سلفه بممحاة" .