أثارت الكلمات التي تحدث بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لأحد البرامج التليفزيونية عن مفهومة لمصطلح العلمانية، ورؤيته لما يجب على المصريين أن يلتزموه من قواعد علمانية عند كتابة دستورهم الجديد، حيث انقسمت الآراء تجاه ما تحدث به أردوغان إلى قسمين التيار الإسلامي من جهة والتيار العلماني من جهة أخرى، حيث رأي بعض الإسلاميين أن حديثه يعتبر تدخلا في شؤون البلاد الداخلية، ورأى الفريق العلماني أن كلماته تعتبر صدمة للتيار الإسلامي بل تجاوز بعضهم وشط كثيراً حيث قال بان أردوغان علماني!!، الأمر الذي يثير السخرية والاستهزاء من أصحاب هذا الرأي السقيم المتهور والذي دحضه أردوغان نفسه في اللقاء ذاته حيث قال" "رجب طيب أردوغان ليس علمانيا فهو مسلم، ولكنه رئيس وزراء دولة علمانية ويفعل ما توجبه هذه الدولة" وبهذه الكلمات نرى انه قد قال ضمنيا بان العلماني مناقض تماما للمسلم. وبغض النظر عن ما علق به الإسلاميون والعلمانيون في مصر على كلمات أردوغان، فلماذا لا نسأل الرجل نفسه عن ما إذا كان علماني أم إسلامي؟ وهل يقصد انه ينصحنا بإقامة دستور علماني أم لا؟ كما تصور الكثيرين إسلاميين وعلمانيين . عندما كان أردوغان محافظا قبل عدة سنوات وفي مؤتمر له بين أعضاء حزبه تساءل عن مضمون العلمانية فقال : بحق الله ما هي العلمانية؟ وأجاب على نفسه قائلاً: عندما تسألهم العلمانيين ليشرحوا لك معناها لا يستطيعون ، يقولون أنها متغيرة دائما على حسب السياق، يا لها من سخافة!! فما هي طبيعة الأشياء من هذه النوعية إذن؟ انظر! ستجد أن كل مصطلح له تعريف في القاموس وأن كل مصطلح لابد أن يكون له معنى واضح ومحدد وهذا في كافة المصطلحات، هل تستطيع أن تجد أنها تعني أن الدولة يمكنها أن تتدخل في الدين دون أن يحدث العكس؟ إذن وصف أردوغان العلمانية بأنها سخافة، فهل سينتهجها ويتخذها نبراسا يهتدي به ويكون سخيفا مثلها؟ وتأكيده بمثاله الذي ذكره على أنه لا تجتمع العلمانية والإيمان في قلب شخص حريص على إسلامه. ليس هذا فحسب بل قص على الحاضرين وعلينا من بعدهم ما حدث له مع طلاب في جامعه بوغاز التركية قائلاً: لقد سألني مجموعه من شباب جامعة بوغاز في لقاء لي معهم، فقالوا فخامة المحافظ، ماذا تعتقد عن العلمانية؟ وما هو القادم؟ هناك مخاوف أن العلمانية في خطر؟ ما الذي سيحدث في المستقبل؟ فأجاب أردوغان: هناك في الغرب يقولون"دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ، ولكن وزير الداخلية هنا في تركيا يعني يقول "قيصر له حقوق أما الله فليس له حقوق" ومع ذلك ف99% من سكان هذه البلد مسلمون، الإنسان لا يمكن أن يكون مسلم وعلماني، فقط بإمكانك أن تكون إما مسلم أو علماني، إذا حاولت أن تضع الاثنين معا فستكون كمن يحاول المقاربة بين مجالين متنافرين إنه من المستحيل أن تجمع الاثنين معا، فإذا كانت هذه هي الحالة فلا يستطيع أحد أن يدعي أنه مسلم ثم يرجع ليدعي أنه علماني بنفس الوقت لأن الله هو من خلق المسلمين وغيرهم وهو من له السلطة المطلقة، لاحظ جيدا هذا الكلام لأردوغان وليس لأحد من الإسلاميين المصريين، فهذا كلامه إذن عن مصطلح العلمانية وأنها مجرد كذبه كبيرة خُدع بها الناس. ليس هذا فحسب فكر أردوغان "الإسلامي" بل عندما تحدث عن الدستور العلماني التركي والذي ظن الناس هنا في مصر أنه يريد أن يقوم المصريون بالسير خلفه وكتابة دستورهم مثله قال" إن الدستور العلماني الذي يتضمن مثل هذه المفاهيم يقصد السلطة المطلقة قد كُتب من قبل أناس سكارى ولم يكتب بتاتا بعقل متزن، ولهذا فلا يستطيع أن يبقى مثل هذا الدستور لمدة سنتين وسيتحول إلى قطعة جبن سويسرية في السنة الثالثة ، وهو دستور مليء بالفجوات كما لو كان خرقه باليه. ودلل على ذالك حينما تحدث عن قاعدة "الشعب له السلطة المطلقة" فقال "يا لها من كذبة كبيرة!! لقد طلبنا من الذين يضعون الدستور أن نضع جملة اعتراضية بجانب عبارة الشعب له السلطة المطلقة فسألوني ما هي؟ أجبت نريد أن نضيف " مرة كل خمس سنوات" ولقد بدءوا بالضحك عندما قلت هذه الكلمات فسألتهم لماذا تضحكون؟ هل للشعب أي سلطه إلا مرة كل خمس سنوات؟ فتوقفوا عن الضحك وقالوا لنفترض أنه ليس له ذلك أيضاً!! وأردف أردوغان قائلا: انظر وفكر جيدا متى تكون السيادة للشعب؟ في اللحظة التي يتوجهون فيها إلى صناديق الاقتراع فقط، وختم كلامه بقولة " ماديا ومعنويا السيادة المطلقة لله وحدة" فهل لنا بعد هذا الكلام من الرجل نفسه أن نقول أنه قد تدخل في الشؤون الداخلية أو نتجاوز ونقول أنه علماني لأننا فهمنا مقصده خطأً، حيث أن أردوغان ألمح أيضا إلى الفارق بين علمانية الدولة وعلمانية المجتمع ، هذا الوعي الذي تحدث به رئيس وزراء تركيا توقع بأنه أكبر من وعي المذيعة المصرية التي أجرت معه الحوار، وربما كان قلقا من قدرتها على الاستيعاب، فأنهى كلامه بسؤالها: هل فهمت الآن؟!